الشَّرْح:

(" بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - ثَلَاثَ مِائَةِ رَاكِبٍ , أَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ - رضي الله عنه -) فِيهِ أَنَّ الْجُيُوشَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ أَمِيرٍ يَضْبِطُهَا وَيَنْقَادُونَ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمِيرُ أَفْضَلَهُمْ أَوْ مِنْ أَفْضَلِهِمْ قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ لِلرُّفْقَةِ مِنَ النَّاسِ وَإِنْ قَلُّوا أَنْ يُؤَمِّرُوا بَعْضَهُمْ عَلَيْهِمْ وَيَنْقَادُوا لَهُ. النووي (17 - 1935)

نَرْصُدُ عِيرَ قُرَيْشٍ) العِير: كل ما جُلِبَ عليه المتاع والتجارة من قوافل الإبل والبغال والحمير.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ صَدِّ أَهْلِ الْحَرْبِ وَاغْتِيَالِهِمْ وَالْخُرُوجِ لِأَخْذِ مَالِهِمْ وَاغْتِنَامِهِ. النووي (17 - 1935)

(وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ , لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ " , فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً , قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: فَقُلْتُ لِجَابِرٍ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا؟ , قَالَ: نَمَصُّهَا كَمَا يَمَصُّ الصَّبِيُّ , ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنْ الْمَاءِ , فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيْلِ)

(فَأُقْسِمُ) أَيْ: أَحْلِفُ. النووي (3011)

(أُخْطِئَهَا رَجُلٌ مِنَّا يَوْمًا) أَيْ: فَاتَتْهُ , وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ لِلتَّمْرِ قَاسِمٌ يَقْسِمُهُ بَيْنَهُمْ فَيُعْطِي كُلَّ إِنْسَانٍ تَمْرَةً كُلَّ يَوْمٍ فَقَسَمَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَنَسِيَ إِنْسَانًا فَلَمْ يُعْطِهِ تَمْرَتَهُ وَظَنَّ أَنَّهُ أَعْطَاهُ فَتَنَازَعَا فِي ذَلِكَ. النووي (3011)

(فَانْطَلَقْنَا بِهِ نُنْعِشُهُ) أَيْ: نَرْفَعُهُ وَنُقِيمُهُ مِنْ شِدَّةِ الضَّعْفِ وَالْجَهْدِ وَقَالَ الْقَاضِي الْأَشْبَهُ عِنْدِي أَنَّ مَعْنَاهُ نَشُدُّ جَانِبَهُ فِي دَعْوَاهُ وَنَشْهَدُ لَهُ. النووي (3011)

(فَشَهِدْنَا أَنَّهُ لَمْ يُعْطَهَا , فَأُعْطِيَهَا , فَقَامَ فَأَخَذَهَا) (فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ): هِيَ كُنْيَةُ جَابِرٍ. فتح4360

(وَأَيْنَ تَقَعُ التَّمْرَةُ مِنْ الرَّجُلِ؟) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ (4360): " فَقُلْتُ: مَا تُغْنِي عَنْكُمْ تَمْرَةٌ؟ "

(لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَقَدْنَاهَا) أَيْ: فقدوا التمرة ووجدوا أَلَمًا لِفَقْدِهَا. النووي (17 - 1935)

(فَأَقَمْنَا بِالسَّاحِلِ) أَيْ: سَاحِلِ الْبَحْرِ.

نِصْفَ شَهْرٍ , فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ)

(فَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا): جَمْعُ عَصًا.

(الْخَبَطَ) وَرَقُ الشَّجَرِ السَّاقِطُ , بِمَعْنَى: الْمَخْبُوطِ. عون3840

وقيل: هُوَ وَرَقُ السَّلَمِ. فتح4360

(ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالْمَاءِ فَنَأكُلُهُ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَابِسًا بِخِلَافِ مَا جَزَمَ بِهِ الدَّاوُدِيُّ أَنَّهُ كَانَ أَخْضَرَ رَطْبًا. فتح4360

(حَتَّى قَرِحَت أَشْدَاقُنَا) أَيْ: صَارَ فِيهَا قُرُوحٌ وَجِرَاحٌ , مِنْ خُشُونَةِ الْوَرَق الَّذِي نَأكُلهُ , وَحَرَارَتِه. النووي (14 - (2967)

(فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْجَيْشُ: جَيْشَ الْخَبَطِ) وَفِي هَذَا بَيَانُ مَا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالتَّقَلُّلِ مِنْهَا وَالصَّبْرِ عَلَى الْجُوعِ وَخُشُونَةِ الْعَيْشِ وَإِقْدَامِهِمْ عَلَى الْغَزْوِ مع هذا الْحَالِ. النووي (17 - 1935)

(قَالَ جَابِرٌ: وَكَانَ فِينَا رَجُلٌ , فَلَمَّا اشْتَدَّ الْجُوعُ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ) الجزائر: جمع جَزُور , وهي البَعِير ذكرا كان أو أنثى.

(ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ , ثُمَّ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ,

ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ نَهَاهُ) وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ نَهْيِ أَبِي عُبَيْدَةَ قَيْسًا أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى إِطْعَامِ الْجَيْشِ فَقِيلَ لِخَشْيَةِ أَنْ تَفْنَى حَمُولَتُهُمْ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْقِصَّةَ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ غَيْرِ الْعَسْكَرِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ يَسْتَدِينُ عَلَى ذِمَّتِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ فَأُرِيدَ الرِّفْقُ بِهِ وَهَذَا أظهر. فتح4361

وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادٍ لَهُ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ لَمَّا رَأَى مَا بِالنَّاسِ قَالَ مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي تَمْرًا بِالْمَدِينَةِ بِجَزُورٍ هُنَا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ مَنْ أَنْتَ فَانْتَسَبَ لَهُ فَقَالَ عَرَفْتُ نَسَبَكَ فَابْتَاعَ مِنْهُ خَمْسَ جَزَائِرَ بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَأَشْهَدَ لَهُ نَفَرًا مِنَ الصَّحَابَةِ , فَامْتَنَعَ عُمَرُ لِكَوْنِ قَيْسٍ لَا مَالَ لَهُ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ مَا كَانَ سَعْدٌ لِيَجْنِيَ بِابْنِهِ فِي أَوَسُقِ تَمْرٍ. فتح4361

فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ ذَلِكَ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ سَأَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ أَنْ يَنْهَى قَيْسًا عَنِ النَّحْرِ , فَعَزَمَ عَلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنْ يَنْتَهِيَ عَنْ ذَلِكَ فَأَطَاعَهُ. فتح5493

فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدًا فَغَضِبَ وَوَهَبَ لِقَيْسٍ أَرْبَعَ حَوَائِطَ أَقَلُّهَا يَجُذُّ خَمْسِينَ وسْقا. فتح4361

(قَالَ: فَرُفِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ) هو: التَّلُّ مِنَ الرَّمْلِ , الْمُسْتَطِيلُ الْمُحْدَوْدَبُ. النووي (17 - 1935)

(فَأَتَيْنَاهُ , فَإِذَا) (حُوتٌ مَيِّتٌ , لَمْ نَرَ مِثْلَهُ , يُقَالُ لَهُ: الْعَنْبَرُ) هو نوع من الحيتان , يُفْرِز مادة العنبر , وهو الطيب المعروف.

(فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَيْتَةٌ) أَيْ: هَذِهِ مَيْتَةٌ.

(ثُمَّ قَالَ: لَا , بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - وَفِي سَبِيلِ اللهِ , وَقَدْ اضْطُرِرْتُمْ , فَكُلُوا) مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهَ عَنْهُ قَالَ أَوَّلًا بِاجْتِهَادِهِ إِنَّ هَذَا مَيْتَةٌ وَالْمَيْتَةُ حَرَامٌ فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَكْلُهَا ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَقَالَ بَلْ هُوَ حَلَالٌ لَكُمْ وَإِنْ كَانَ مَيْتَةً لِأَنَّكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ وَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَيْتَةَ لِمَنْ كَانَ مُضْطَرًّا غَيْرَ بَاغٍ ولاعاد فَكُلُوا فَأَكَلُوا مِنْهُ. النووي (17 - 1935)

قَالَ: فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا - وَنَحْنُ ثَلَاثُ مِائَةٍ - حَتَّى سَمِنَّا , قَالَ:

(وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ الدُّهْنَ مِنْ وَقْبِ عَيْنِهِ) الوَقْب: هُوَ حُفْرَةُ الْعَيْنِ فِي عَظْمِ الْوَجْهِ وَأَصْلُهُ نُقْرَةٌ فِي الصَّخْرَةِ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَاءُ. فتح4360

(بِالْقِلَالِ) جَمْعُ قُلَّةٍ بِضَمِّهَا وَهِيَ الْجَرَّةُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي يُقِلُّهَا الرَّجُلُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَيْ يحملها. النووي (17 - 1935)

(وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الْفِدَرَ , كَقَدْرِ الثَّوْرِ) (الفِدَرُ): القِطَعُ.

(وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ) جمع وشيقة , وهي أن يؤخَذ اللحم , فيُغْلَى قليلاً ولا يُنْضَج، وَيُحْمَلُ فِي الْأَسْفَارِ , وقيل: هي القَديدُ. النووي (17 - 1935)

فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ , أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ , فَقَالَ: " هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللهُ لَكُمْ , فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا؟ " قَالَ: فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - مِنْهُ " فَأَكَلَهُ ")

وَالْغَرَضُ مِنْ إِيرَادِهِ هُنَا قِصَّةُ الْحُوتِ فَإِنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْهَا جَوَازُ أَكْلِ مَيْتَةِ الْبَحْرِ لِتَصْرِيحِهِ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ وَتَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مِنْهُ وَبِهَذَا تَتِمُّ الدَّلَالَةُ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ أَكْلِ الصَّحَابَةِ مِنْهُ وَهُمْ فِي حَالَةِ الْمَجَاعَةِ قَدْ يُقَالُ إِنَّهُ لِلِاضْطِرَارِ وَلَا سِيَّمَا وَفِيهِ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ مَيْتَةٌ ثُمَّ قَالَ لَا بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا.

وَحَاصِلُ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ بَنَاهُ أَوَّلًا عَلَى عُمُومِ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ تَخْصِيصَ الْمُضْطَرِّ بِإِبَاحَةِ أَكْلِهَا إِذَا كَانَ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ وَهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي طَاعَةِ رَسُولِهِ وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ آخِرِ الْحَدِيثِ أَنَّ جِهَةَ كَوْنِهَا حَلَالًا لَيْسَتْ سَبَبَ الِاضْطِرَارِ بَلْ كَوْنُهَا مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ فَفِي آخِرِهِ عِنْدَهُمَا جَمِيعًا فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كُلُوا رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ أَطْعِمُونَا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ فَأَتَاهُ بَعْضُهُمْ بِعُضْوٍ فَأَكَلَهُ فَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ حَلَالٌ مُطْلَقًا وَبَالَغَ فِي الْبَيَانِ بِأَكْلِهِ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ إِبَاحَةُ مَيْتَةِ الْبَحْرِ سَوَاءً مَاتَ بِنَفْسِهِ أَو مَاتَ بِالِاصْطِيَادِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ يُكْرَهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ مَا لَفَظَهُ فَمَاتَ وَبَيْنَ مَا مَاتَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ وَمَا مَاتَ فِيهِ فَطَفَا فَلَا تَأكُلُوهُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا .. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَيُرْوَى عَنْ جَابِرٍ خِلَافُهُ انتهى كلام البخاري. فتح5493

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ وَجَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ وما مات فيه فطفا فلا تأكلوا فحديث ضيعف بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لو لم يعارضه شئ كيف وهو معارض بما ذكرنا وَقَدْ أَوْضَحْتُ ضَعْفَ رِجَالِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ. النووي (17 - 1935)

وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي حِلَّهُ لِأَنَّهُ سَمَكٌ لَوْ مَاتَ فِي الْبَرِّ لَأُكِلَ بِغَيْرِ تَذْكِيَةٍ وَلَوْ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ أَوْ قَتَلَتْهُ سَمَكَةٌ أُخْرَى فَمَاتَ لَأُكِلَ فَكَذَلِكَ إِذَا مَاتَ وَهُوَ فِي الْبَحْرِ. فتح5493

أَوْ أَنَّهُ قَصَدَ التَّبَرُّكَ بِهِ لِكَوْنِهِ طُعْمَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى خَارِقَةً لِلْعَادَةِ أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِهَا وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأسَ بِسُؤَالِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ وَمَتَاعِهِ إِدْلَالًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنَ السُّؤَالِ الْمَنْهِيِّ عنه انما ذلك فى حق الأجانب للتمول ونحو وَأَمَّا هَذِهِ فَلِلْمُؤَانَسَةِ وَالْمُلَاطَفَةِ وَالْإِدْلَالِ. النووي (17 - 1935)

وَيُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ (فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا) (?) جَوَازُ أَكْلِ اللَّحْمِ وَلَوْ أَنْتَنَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَاللَّحْمُ لَا يَبْقَى غَالِبًا بِلَا نَتْنٍ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لَا سِيَّمَا فِي الْحِجَازِ مَعَ شِدَّةِ الْحَرِّ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا ملحوه وقدوه فَلَمْ يَدْخُلْهُ نَتْنٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا قَوْلُ النَّوَوِيِّ إِنَّ النَّهْيَ عَنْ أَكْلِ اللَّحْمِ إِذَا أَنْتَنَ لِلتَّنْزِيهِ إِلَّا إِنْ خِيفَ مِنْهُ الضَّرَرُ فَيَحْرُمُ وَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى مَذْهَبِهِ وَلَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ حَمَلُوهُ عَلَى التَّحْرِيمِ مُطْلَقًا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَأتِي فِي الطَّافِي نَظِيرُ مَا قَالَهُ فِي النَّتِنِ إِذَا خُشِيَ مِنْهُ الضَّرَرُ وَفِيهِ جَوَازُ أَكْلِ حَيَوَانِ الْبَحْرِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الصَّحَابَةِ نَصٌّ يَخُصُّ الْعَنْبَرَ وَقَدْ أَكَلُوا مِنْهُ كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَيَخْدِشُ فِيهِ أَنَّهُمْ أَوَّلًا إِنَّمَا أَقْدَمُوا عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الِاضْطِرَارِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُمْ أَقْدَمُوا عَلَيْهِ مُطْلَقًا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ صَيْدَ الْبَحْرِ ثُمَّ تَوَقَّفُوا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَيْتَةً فَدَلَّ عَلَى إِبَاحَةِ الْإِقْدَامِ عَلَى أَكْلِ مَا صِيدَ مِنَ الْبَحْرِ وَبَيَّنَ لَهُمُ الشَّارِعُ آخِرًا أَنْ مَيْتَتَهُ أَيْضًا حَلَالٌ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ طَافٍ وَلَا غَيْرِهِ وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهُمْ أَقَامُوا يَأكُلُونَ مِنْهُ أَيَّامًا فَلَوْ كَانُوا أَكَلُوا مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ مَيْتَةٌ بِطَرِيقِ الِاضْطِرَارِ مَا دَاوَمُوا عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُضْطَرَّ إِذَا أَكَلَ الْمَيْتَةَ يَأكُلُ مِنْهَا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ لِطَلَبِ الْمُبَاحِ غَيْرِهَا وَجَمَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ بِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى الْجَوَازِ. فتح5493

وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا مَشْرُوعِيَّةُ الْمُوَاسَاةِ بَيْنَ الْجَيْشِ عِنْدَ وُقُوعِ الْمَجَاعَةِ وَأَنَّ الِاجْتِمَاعَ عَلَى الطَّعَامِ يَسْتَدْعِي الْبَرَكَةَ فِيهِ. فتح4361

وَكَمَا كَانَ الْأَشْعَرِيُّونَ يَفْعَلُونَ وَأَثْنَى عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ يُسْتَحَبُّ لِلرُّفْقَةِ مِنَ الْمُسَافِرِينَ خَلْطُ أَزْوَادِهِمْ لِيَكُونَ أبرك وأحسن فى العشرة وأن لا يَخْتَصَّ بَعْضُهُمْ بِأَكْلٍ دُونَ بَعْضٍ. النووي (17 - 1935)

وَفِيهِ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يَجُوزُ بَعْدَهُ وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُفْتِي أَنْ يَتَعَاطَى بَعْضَ الْمُبَاحَاتِ الَّتِي يَشُكُّ فِيهَا الْمُسْتَفْتِي إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَى الْمُفْتِي وَكَانَ فِيهِ طُمَأنِينَةٌ لِلْمُسْتَفْتِي. النووي (17 - 1935)

مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى إِبَاحَةِ مَيْتَةِ الْبَحْرِ، سَوَاءٌ كَانَتْ سَمَكًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ "، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ دَابَّةٍ تَمُوتُ فِي الْبَحْرِ فَقَدْ ذَكَّاهَا اللَّهُ لَكُمْ.

وَلَمْ يُبِحِ الْحَنَفِيَّةُ إِلا مَيْتَةَ السَّمَكِ الَّذِي مَاتَ بِآفَةٍ، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَكَانَ غَيْرَ طَافٍ، فَلَيْسَ بِمُبَاحٍ. وَحَدُّ الطَّافِي عِنْدَهُمْ: مَا كَانَ بَطْنُهُ مِنْ فَوْقُ، فَلَوْ كَانَ ظَهْرُهُ مِنْ فَوْقُ، فَلَيْسَ بِطَافٍ فَيُؤْكَلُ. (?)

قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي حِلِّ السَّمَكِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ فِيمَا كَانَ عَلَى صُورَةِ حَيَوَانِ الْبَرِّ كَالْآدَمِيِّ وَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالثُّعْبَانِ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ يَحْرُمُ مَا عَدَا السَّمَكَ وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْحُوتَ الْمَذْكُورَ لَا يُسَمَّى سَمَكًا وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ فِي الْحُوتِ نَصًّا وَعَنِ الشَّافِعِيَّةِ الْحِلَّ مُطْلَقًا عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَّا الْخِنْزِيرَ فِي رِوَايَةٍ وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْر وَحَدِيثُ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ أَخْرَجَهُ مَالك وَأَصْحَاب السّنَن وَصَححهُ بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ وَعَنِ الشَّافِعِيَّةِ مَا يُؤْكَلُ نَظِيرُهُ فِي الْبر حَلَال ومالا فَلَا وَاسْتَثْنَوْا عَلَى الْأَصَحِّ مَا يَعِيشُ فِي الْبَحْرِ وَالْبَرِّ وَهُوَ نَوْعَانِ النَّوْعُ الْأَوَّلُ مَا وَرَدَ فِي مَنْعِ أَكْلِهِ شَيْءٌ يَخُصُّهُ كَالضِّفْدَعِ وَكَذَا اسْتَثْنَاهُ أَحْمَدُ لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ وَرَدَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ وَالْحَاكِمُ وَله شَاهد من حَدِيث بن عمر عِنْد بن أَبِي عَاصِمٍ وَآخَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَزَادَ فَإِنَّ نَقِيقَهَا تَسْبِيحٌ وَذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّ الضِّفْدَعَ نَوْعَانِ بَرِّيٌّ وَبَحْرِيٌّ فَالْبَرِّيُّ يَقْتُلُ آكِلَهُ وَالْبَحْرِيُّ يَضُرُّهُ وَمِنَ الْمُسْتَثْنَى أَيْضًا التِّمْسَاحُ لِكَوْنِهِ يَعْدُو بِنَابِهِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِيهِ رِوَايَةٍ وَمِثْلُهُ الْقِرْشُ فِي الْبَحْرِ الْمِلْحِ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَالثُّعْبَانُ وَالْعَقْرَبُ وَالسَّرَطَانُ وَالسُّلَحْفَاةُ لِلِاسْتِخْبَاثِ وَالضَّرَرِ اللَّاحِقِ مِنَ السُّمِّ وَدنيلسُ قِيلَ إِنَّ أَصْلَهُ السَّرَطَانُ فَإِنْ ثَبَتَ حَرُمَ النَّوْعُ الثَّانِي مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ مَانِعٌ فَيَحِلُّ لَكِنْ بِشَرْطِ التَّذْكِيَةِ كَالْبَطِّ وَطَيْرِ الْمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فتح5493

وقال بن وَهْبٍ سَأَلْتُ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ أَكْلِ خِنْزِيرِ الْمَاءِ وَكَلْبِ الْمَاءِ وَإِنْسَانِ الْمَاءِ وَدَوَابِّ الْمَاءِ كُلِّهَا فَقَالَ أَمَّا إِنْسَانُ الْمَاءِ فَلَا يُؤْكَلُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْحَالَاتِ وَالْخِنْزِيرُ إِذَا سَمَّاهُ النَّاسُ خِنْزِيرًا فَلَا يُؤْكَلُ وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْخِنْزِيرَ وَأَمَّا الْكِلَابُ فَلَيْسَ بِهَا بَأسٌ فِي الْبَحْرِ وَالْبَرِّ

قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ يختلفوا أن المارما هي مُبَاحٌ أَكْلُهُ وَهُوَ يُشْبِهُ الْحَيَّاتِ وَتُسَمَّى أَيْضًا حَيَّةَ الْبَحْرِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى بُطْلَانِ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْأَسْمَاءِ وَالْأَشْبَاهِ فِي حَيَوَانِ الْبَحْرِ وَإِنَّمَا هِيَ كُلُّهَا سُمُوكٌ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَشْكَالُهَا وَصُوَرُهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة فَدَخَلَ فِيهِ مَا يُصَادُ مِنْ حَيَوَانِهِ لِأَنَّهُ لَا يُخَصُّ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا بِدَلِيلٍ

وَسُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ طَهُورٌ مَاؤُهُ حَلَالٌ مَيْتَتُهُ فَلَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا مِنْهَا دُونَ شَيْءٍ فَقَضِيَّةُ الْعُمُومِ تُوجِبُ فِيهَا الْإِبَاحَةَ إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الدَّلِيلُ انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيُّ. عون3840

طور بواسطة نورين ميديا © 2015