(خ م) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الْمَسْجِدُ " (?)
الشَّرْح:
(كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ) جَمْعُ مَرْبِضٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ. تحفة348
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هِيَ مَبَارِكُهَا وَمَوَاضِعُ مَبِيتِهَا ووضعها أجسادها على الأرض للاستراحة قال بن دُرَيْدٍ وَيُقَالُ ذَلِكَ أَيْضًا لِكُلِّ دَابَّةٍ مِنْ ذَوَاتِ الْحَوَافِرِ وَالسِّبَاعِ. النووي (10 - 524)
قال العراقي: "وفي جواز اختصار مثل هذا نظر , وذلك لما قد يتعلق بالمحذوف من بيان، فإنَّ الظرف قد يفيد أنَّ ذلك كان حكمًا متقدمًا قبل أن يُبنى المسجد، فلمَّا بُنِيَ المسجد تَركَ الصلاهَ فيها " قوت المغتذي على جامع الترمذي (1/ 171)
(قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الْمَسْجِدُ): مَفْهُومُه أَنَّهُ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - لَمْ يُصَلِّ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ بَعْدَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، لَكِنْ قَدْ ثَبَتَ إِذْنُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ. فتح (1/ 526)
قال ابن رجب: وإنما ترك الصلاة في مرابض الغنم بعد بناء المسجد؛ لاستغنائه عنها بالمسجد لا لنسخ الصلاة فيها، فإنه روي عنه أنه أذن في ذلك , ففي ((صحيح مسلم)) عن جابر بن سمرة، أن رجلا قال للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أصلي في مرابض الغنم؟ قال: ((نعم)) قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: ((لا)).فتح الباري لابن رجب 429
فَوائِدُ الْحَدِيث:
هَذَا الْحَدِيثِ فِي الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ بِطَهَارَةِ أَبْوَالِهَا وَأَبْعَارِهَا قَالُوا: لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُبَاشِرُونَهَا فِي صَلَاتِهِمْ فَلَا تَكُونُ نَجِسَةً، وَنُوزِعَ مَنِ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ الْحَائِلِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَ عَلَى حَائِلٍ دُونَ الْأَرْضِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةُ نَفْيٍ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إِنَّهَا مُسْتَنِدَةٌ إِلَى أَصْلٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ {النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-صَلَّى عَلَى حَصِيرٍ فِي دَارِهِمْ} وَصَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الْمَسْجِدُ فَاقْتَضَى أَنَّهُ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ {أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَمَرَهُمْ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُطَيَّبَ وَتُنَظَّفَ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ وَلِأَبِي دَاوُدَ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ وَزَادَ " وَأَنْ نُطَهِّرَهَا " قَالَ: وَهَذَا بَعْدَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ. وَمَا ادَّعَاهُ مِنَ النَّسْخِ يَقْتَضِي الْجَوَازَ ثُمَّ الْمَنْعَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ إِذْنَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فِي الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ ثَابِتٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ. نَعَمْ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى طَهَارَةِ الْمَرَابِضَ لَكِنْ فِيهِ أَيْضًا النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ فَلَو اقْتَضَى الْإِذْنُ الطِّهَارَةَ لَاقْتَضَى النَّهْيُ التَّنْجِيسَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْفَرْقِ لَكِنَّ الْمَعْنَى فِي الْإِذْنِ وَالنَّهْيِ بِشَيْءٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّهَارَةِ وَلَا النَّجَاسَةِ وَهُوَ أَنَّ الْغَنَمَ مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ وَالْإِبِلَ خُلِقَتْ مِنَ الشَّيَاطِينِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فتح234