(حب) , عَنْ أَبِي رَزِينٍ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ الْعُقَيْلِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الْوُضُوءِ , فَقَالَ: " إِذَا تَوَضَّأتَ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ , وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ , وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا " (?)
الشَّرْح:
(أَخْبِرْنِي عَنْ الْوُضُوءِ) أَيْ: الوضوء الكامل الزائد على ما عرفناه , وهو ما عُرِف واستقر في الشرع مدحه , والثناء على فاعله , فـ (ال) في الوضوء , للعهد الذهني. المنهل الروي ج2ص88
(إِذَا تَوَضَّأتَ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ) أَيْ أَبْلِغْ مَوَاضِعَهُ وَأَوْفِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ وَتَمِّمْهُ وَلَا تَتْرُكْ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ. عون142
(وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ) صِيغَةُ أَمْرٍ مِنَ التَّخْلِيلِ وَهُوَ إِدْخَالُ الشَّيْءِ خِلَالَ شَيْءٍ وَهُوَ وَسَطُهُ. تحفة38
قال في اللسان: خَلَّل فُلَانٌ أَصابعَه بِالْمَاءِ: أَسال الْمَاءَ بَيْنَهَا فِي الْوُضُوءِ، وَكَذَلِكَ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ إِذا توضأَ فأَدخل الْمَاءَ بَيْنَ شَعْرِهَا وأَوصل الْمَاءَ إِلى بَشَرَتِهِ بأَصابعه.
وقال أيضا: والتَّخْلِيل: تَفْرِيقُ شَعْرِ اللِّحْيَةِ وأَصابع الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ، وأَصله مِنْ إِدخال الشَّيْءِ فِي خِلال الشَّيْءِ، وَهُوَ وسَطُه. (?)
والمعنى: بالغ في تنظيف اليدين والرجلين بتفريق أصابعها , فإطلاق الأصابع يشمل اليدين والرجلين كما قاله السندي ج1ص79
(وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ) أَيْ: أتمه بجذب الماء إلى أعلى الْأَنْفِ , وبامتخاطه في كل مرة. ذخيرة87
(إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا) فَلَا تُبَالِغْ وَإِنَّمَا كُرِهَ الْمُبَالَغَةُ لِلصَّائِمِ خَشْيَةَ أَنْ يَنْزِلَ إِلَى حَلْقِهِ مَا يُفْطِرُهُ. عون142
فإن قيل: السؤال عن أعمال الوضوء تفصيلا , فلم أجمل النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - في الجواب بذكر الإسباغ في الوضوء , واقتصر في التفصيل على تخليل الأصابع والمبالغة في الاستنشاق؟
أجيب بأنه - صلى اللهُ عليه وسلَّم - علم من حال السائل أنه كان يعلم أصل الوضوء , فأجابه بما ذكر مفصلا له ما ظن خفاءه عليه من تخليل الأصابع , لأنه قد يضمها , فلا يصل الماء إلى ما بينها , ومالبالغة في الاستنشاق: لأن غسل أعلى باطن الأنف غير معلوم. المنهل الروي ج2ص90
فَإِنَّ الْخِطَابَ بِأَسْبِغْ إِنَّمَا يَتَوَجَّهُ نَحْوَ مَنْ عَلِمَ صِفَتَهُ. عون142
فَوائِدُ الْحَدِيث:
قال بن سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ تَخْلِيلُ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ فِي غَسْلِهِمَا قَالَ وَهَذَا إِذَا كَانَ الْمَاءُ يَصِلُ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَخْلِيلٍ فَلَوْ كَانَتِ الْأَصَابِعُ ملتفة لا يصل الماء إليها إِلَّا بِالتَّخْلِيلِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ التَّخْلِيلُ لَا لِذَاتِهِ لَكِنْ لِأَدَاءِ فَرْضِ الْغُسْلِ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ بعد ذكر كلام بن سَيِّدِ النَّاسِ هَذَا وَالْأَحَادِيثُ قَدْ صَرَّحَتْ بِوُجُوبِ التَّخْلِيلِ وَثَبَتَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إِمْكَانِ وُصُولِ الْمَاءِ بِدُونِ تَخْلِيلٍ وَعَدَمِهِ وَلَا بَيْنَ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَالتَّقْيِيدُ بِأَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ أَوْ بِعَدَمِ إِمْكَانِ وُصُولِ الْمَاءِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ انْتَهَى
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ (وَقَالَ إِسْحَاقُ يُخَلِّلُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ) قَوْلُ إِسْحَاقَ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ صَلَّى الله عليه وسلم فخلل الأصابع ولحديث بن عَبَّاسٍ الْآتِي فِي هَذَا الْبَابِ. تحفة38
قال الشوكاني: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ إسْبَاغِ الْوُضُوءِ.
وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِنْقَاءُ وَاسْتِكْمَالُ الْأَعْضَاءِ وَالْحِرْصُ عَلَى أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءًا يَصِحُّ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَغَسْلُ كُلِّ عُضْوٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ هَكَذَا قِيلَ فَإِذَا كَانَ التَّثْلِيثُ مَأخُوذًا فِي مَفْهُومِ الْإِسْبَاغِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِحَدِيثِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ» وَإِنْ كَانَ مُجَرَّدَ الْإِنْقَاءِ وَالِاسْتِكْمَالِ فَلَا نِزَاعَ فِي وُجُوبِهِ. نيل174
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ وَصَلَ الْمَاءُ إِلَى الدِّمَاغِ يُفْطِرُ الصَّائِمَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ كُلُّ مَا وَصَلَ إِلَى جَوْفِهِ بِفِعْلِهِ مِنْ حُقْنَةٍ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ الطَّعَامِ وَالْغِذَاءِ أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنْ حَشْوِ جَوْفِهِ انْتَهَى. تحفة788
وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يُوجِبُ الِاسْتِنْشَاقَ فِي الطَّهَارَةِ قَالُوا وَلَوْلَا وُجُوبِهِ لَكَانَ يَطْرَحُهُ عَنِ الصَّائِمِ أَصْلًا احْتِيَاطًا عَلَى صَوْمِهِ فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ انْتَهَى. عون2366