لَوْ نَوَى الْمُتَوَضِّئُ مُطْلَقَ (الطَّهَارَةِ) أَوْ مُطْلَقَ (الْوُضُوءِ)، لا لِرَفْعِ حَدَثٍ، وَلا لاسْتِبَاحَةِ صَلاةٍ، أَوْ نَحْوِهَا، فَفِي ارْتِفَاعِ الْحَدَثِ وَعَدَمِهِ رَأيَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لا يَرْتَفِعُ، لِعَدَمِ نِيَّتِهِ لَهُ. وَهَذَا أَحَدُ الرَّأيَيْنِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَشْتَرِطُونَ النِّيَّةَ لِصِحَّةِ الطَّهَارَةِ. وَعَلَّلُوا لِذَلِكَ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ قِسْمَانِ: طَهَارَةُ حَدَثٍ، وَطَهَارَةُ نَجِسٍ، فَإِذَا قَصَدَ الطَّهَارَةَ الْمُطْلَقَةَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَرْفَعُ الْحَدَثَ. وَالرَّأيُ الأَصَحُّ لِلْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَرْتَفِعُ، لأَنَّ الطَّهَارَةَ وَالْوُضُوءَ إِنَّمَا يَنْصَرِفُ إِطْلاقُهُمَا إِلَى الْمَشْرُوعِ، فَيَكُونُ نَاوِيًا لِوُضُوءٍ شَرْعِيٍّ. (?)
وَلا دَخْلَ لِمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَالنِّيَّةُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمْ وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْوُضُوءِ. (?)
فلو لم لَمْ يَنْوِ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى فَصَلاتُهُ صَحِيحَةٌ؛ لأَنَّ الشَّرْطَ مَقْصُودُ التَّحْصِيلِ لِغَيْرِهِ لا لِذَاتِهِ، فَكَيْفَمَا فَعَلَ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَصَارَ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَبَاقِي شُرُوطِ الصَّلاةِ وَلا يَفْتَقِرُ اعْتِبَارُهَا إِلَى أَنْ تُنْوَى. (?)
التَّيَمُّمُ
جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ لَوْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلاةِ، وَأَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدْ تِلْكَ الصَّلاةَ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ، صَلَّى النَّافِلَةَ مَعَ هَذَا الإِطْلاقِ. وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لا يَسْتَبِيحُ بِهِ النَّفَلَ. (?)
وَلِلْفُقَهَاءِ فِي صَلاةِ الْفَرْضِ بِهَذَا التَّيَمُّمِ رَأيَانِ:
أَحَدُهُمَا: صِحَّةُ صَلاةِ الْفَرْضِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ اخْتَارَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ، لأَنَّهَا طَهَارَةٌ يَصِحُّ بِهَا النَّفَلُ، فَصَحَّ بِهَا الْفَرْضُ كَطَهَارَةِ الْمَاءِ (?) وَلأَنَّ الصَّلاةَ اسْمُ جِنْسٍ تَتَنَاوَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لا يَسْتَبِيحُ بِهِ الْفَرْضَ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيَّةِ. (?)
قال الشَّافِعِيَّةُ: وَيَنْوِي مَنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ كَسَلَسٍ وَاسْتِحَاضَةٍ اسْتِبَاحَةَ الصَّلاةِ لا رَفْعَ الْحَدَثِ لأَنَّهُ دَائِمُ الْحَدَثِ لا يَرْفَعُهُ وُضُوءُهُ وَإِنَّمَا يُبِيحُ لَهُ الْعِبَادَةَ.
وَالْحَنَابِلَةُ فِي هَذَا كَالشَّافِعِيَّةِ. (?)
قَالَ الْحَنَابِلَةُ: وَإِنْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثَيْنِ وَأَطْلَقَ - فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالأَكْبَرِ وَلا بِالأَصْغَرِ - أَجْزَأَ عَنْهُمَا لِشُمُولِ الْحَدَثِ لَهُمَا، أَوْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلاةِ، أَوْ نَوَى أَمْرًا لا يُبَاحُ إِلا بِوُضُوءٍ وَغُسْلٍ كَمَسِّ مُصْحَفٍ وَطَوَافٍ أَجْزَأَ عَنْهُمَا لاسْتِلْزَامِ ذَلِكَ رَفْعَهُمَا، وَسَقَطَ التَّرْتِيبُ وَالْمُوَالاةُ لِدُخُولِ الْوُضُوءِ فِي الْغُسْلِ فَصَارَ الْحُكْمُ لِلْغُسْلِ.
وَإِنْ نَوَى مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ بِالْغُسْلِ اسْتِبَاحَةَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ارْتَفَعَ الْحَدَثُ الأَكْبَرُ فَقَطْ لأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ إِنَّمَا تَتَوَقَّفُ عَلَى رَفْعِهِ لا عَلَى رَفْعِ الأَصْغَرِ.
وَإِنْ نَوَى الْجُنُبُ وَنَحْوُهُ رَفْعَ أَحَدِ الْحَدَثَيْنِ - الأَكْبَرِ أَوِ الأَصْغَرِ - لَمْ يَرْتَفِعْ غَيْرُهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ". . . " وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ".
وَإِنْ نَوَتْ مَنِ انْقَطَعَ حَيْضُهَا أَوْ نِفَاسُهَا بِغُسْلِهَا حِلَّ الْوَطْءِ صَحَّ غُسْلُهَا وَارْتَفَعَ الْحَدَثُ الأَكْبَرُ؛ لأَنَّ حِلَّ وَطْئِهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رَفْعِهِ، وَقِيلَ: لا يَصِحُّ لأَنَّهَا إِنَّمَا نَوَتْ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَهُوَ الْوَطْءُ. (?)