الى مرقة وعرفنا أننا تائهون في الصحراء، فرجعنا ادراجنا نقصد العوينات. لما كنا استنفذنا مؤنتنا من المياه، أصبحنا مضطرين الى نحر ناقة أو جمل كل يوم لشرب الماء المخزون في بطون الابل، وكان كل منا يحمل في مخلاته بعض لحم الذبيحة ويأكل اثناء السير ومع ان المسافة التي قطعناها منذ خروجنا من العوينات كانت قد استغرقت منا ثمانية ايام كاملة، فقد بلغت بنا شدة المحنة اننا في طريق العودة قطعنا نفس المسافة خلال أربعة ايام فقط، راكبين او ماشين ليل ونهار وفي العوينات ملأنا قرب الماء من جديد، وبعد استراحة قصيرة واصلنا السفر عامدين نهر النيل رأساً، باقتفاء آثار الفريق الآخر من جماعتنا، وعثرنا في الطرق على جثث البعض، ومن بينهم امي وأختي واثنين من اخوتي قصفتهم طائرات الطليان، او ماتوا عطشا.

وكنا نغذ السير ليل نهار حتى وصلنا آبار كريم بعد تسعة ايام ونحن اقرب الى الموت منا الى الحياة، وهناك اسعفنا الحظ بلقاء بعثة استكشافية كان قد نظمها الامير عمر طوسون بقيادة ضابط بريطاني، فحملتنا معها الى واحة الخارجة ثم الى الداخلة. ومنها انتقلنا الى المنيا حيث استقر بنا المقام مع ناس من قبيلة الجوازي التي تربطنا بها صلة القرابة. ومكثنا هناك حتى عام 1940م وعندها التحقنا بالقوات الليبية تلبية لنداء الامير) (?).

إن هذه القصة الحزينة تعطينا صورة واضحة عن ماكابده الليبيون الذين استطاعوا الهروب من هجمة غراسياني الوحشية على الكفرة، وتلك الغارة الهمجية، ولقد تأثر العالم الاسلامي من الأخبار التي سمعوها من العوائل الليبية التي كتب الله لها النجاة، وقد قام الامير شكيب ارسلان بدور مشكور في توضيح تلك الاعمال، وكتب مقالات صادقة أصبحت وثائق مهمة للمؤرخ لتلك المحنة العظيمة التي مرّ بها الشعب الليبي المسلم فقد قال: ( .... إنهم لما احتلوا واحة الكفرة في 13 يناير من سنة 1931م استباحوا قراها ثلاث أيام فقتلوا ماصادفوه من الأهالي وكان من جملة القتلى بعض الشيوخ الاجلاء مثل محمد عمر الفضيل، والسيد حميد الفضيل،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015