الهوان والمذلة.
إننا سندفع الاسد بسلاحنا اذا ما اعترض طريقنا) وقد حاول بعض المسافرين أن يثنيه عن عزمه، فرد عليهم قائلاً: أنني أخجل عندما أعود وأقول أنني تركت بعيراً الى حيوان اعترض طريقي وأنا على استعداد لحماية ما معي وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته إنها عادة سيئة يجب أن نبطلها، وما كادت القافلة تدنو من الممر الضيق حتى خرج الاسد من مكانه الذي اتخذه على احدى شرفات الممر فقال أحد التجار وقد خاف من هول المنظر وارتعشت فرائصه من ذلك: أنا مستعد أتنازل عن بعير من بعائري ولا تحاولوا مشاكسة الأسد، فانبرى عمر المختار ببندقيته وكانت من النوع اليوناني ورمى الاسد بالرصاصة الاولى فأصابته ولكن في غير مقتل واندفع الاسد يتهادى نحو القافلة فرماه بأخرى فصرعته، وأصر عمر المختار على أن يسلخ جلده ليراه أصحاب القوافل فكان له ما أرد (?).
إن هذه الحادثة تدلنا على شجاعة عمر المختار وقد تناولتها المجالس يومذاك بمنتهى الاعجاب وقد سأل الاستاذ محمد الطيب الاشهب عمر المختار نفسه عن هذه الحادثة في معسكر المغاربة بخيمة السيد محمد الفائدي عن هذه الواقعة فأجاب بقوله: تريدني ياولدي أن أفتخر بقتل صيد قال لي ما قاله قديماً أحد الأعراب لمنافسه وقد قتل أسداً (أتفتخر عليّ بانك قتلت حشرة) وامتنع عمر المختار بقول الله تعالى: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} (سورة الانفال).
إن جواب عمر المختار بهذه الآية الكريمة يدل على تأثره العميق بالقرآن الكريم، لأنه تعلم أن أهل الايمان والتوحيد في نظرتهم العميقة لحقيقة الوجود، وتطلعهم الى الآخرة ينسبون الفضل الى العزيز الوهاب سبحانه وتعالى، ويتخلصون من حظوظ نفوسهم، فهو الذي مرّ كثيراً على دعاء نبي الله يوسف عليه السلام: {رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والارض أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً والحقني بالصالحين} (سورة يوسف: الآية 101).
وهو الذي تعلم من سيرة ذي القرنين هذا المعنى الرفيع والذي لابد من وجوده