وأما الاستاذ محمد الطيب الاشهب فقد قال: (وقد عرفته معرفة طيبة وقد مكنتني هذ المصاحبة من الاحتكاك به مباشرة، فكنت أنام بخيمته والى جانبه وأهم ماكنت امقته منه رحمه الله وأنا وقت ذاك حديث السن هو أنه لايتركنا أن ننام إذ يقضي كل ليلة يتلو القرآن ويقوم مبكراً فيأمرنا بالوضوء بالرغم عما نلاقيه من شدة البرد ومتاعب السفر ... ) (?).
وكأني أراه من خلف السنين وهو قائم يصلي لله رب العالمين في وديان وجبال وكهوف الجبل الأخضر وقد التف بجرده الابيض في ظلمة الليل البهيم وهو يتلو كتاب الله بصوت حزين، وتنحدر الدموع على خدوده من خشية العزيز الرحيم.
قال تعالى: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور} (سورة فاطر، الآية ... ).
لقد وصى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابا ذر بذلك فقال: (عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء) وقد حذر الرسول الكريم من هجر القرآن فقال: (إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخَرِبْ) (?).
قال الشاعر:
قم في الدجى واتل الكتاب
ولا تنم إلا كنومة حائر ولهان
فلربما تأتي المنية بغتة
فتساق من فرش الى الاكفان
ياحبذا عينان في غسق الدجى
من خشية الرحمن باكيتان
اعرض عن الدنيا الدنيئة زاهداً
فالزهد عند أولى النهى زهدان
زهد عن الدنيا وزهد في الثناء
طوبى لمن أمسى له الزهدان (?)
إن من اسباب الثبات التي تميز به عمر المختار حتى اللحظات الأخيرة من حياته