أمتي ثلاثاً وسبعين فرقة" (?)، ولا نجد هذه الفرق في الفقه الإِسلامي (?)، ولوكان ظناً كظنون علم الكلام لافترق الناس فيه ذلك الافتراق الواسع الذي محق الأصول والفروع، ولم يكن الخلاف بين أهل الفقه في بعض الجزئيات يحمل تلك النتيجة التي أفرزها علم الكلام، ذلك أن الفقهاء كانت تجمعهم أصول فقهية عظيمة، ويتفقون على جملة الأحكام الشرعية، فأصول المسائل الدينية بيّنة ظاهرة معلومة لا خلاف فيها، ويبقى الخلاف في بعض مسائل الاجتهاد وذلك لأسباب كثيرة معلومة (?)، ومع ذلك فإن الصواب لم تجهله الأمة في هذه المسائل بل الحق فيها معلوم وإن اختلف فيها الناس وتفاوتت فيها مداركهم.
وقد شبه الإِمام ابن تيمية الخلاف بين أهل الفقه من أهل السنة بالخلاف في الجزئيات الذي وقع في شرائع الأنبياء، فأصول الأنبياء واحدة في التوحيد وأصول الشرائع، وخلافهم في تلك الجزئيات لا يخرجهم عن مسمى الأمة الواحدة، لأن الأصول الثابتة بالكتاب والسنة والإِجماع هي بمنزلة الدين المشترك بين الأنبياء ليس لأحد خروج عنها، ومن دخل فيها كان من أهل الإِسلام المحض وهم أهل السنة والجماعة (?)، وذلك كله من بركة اتباع العلم لا اتباع الظن، ووقوع الخلاف في بعض الجزئيات لا يُغيّر من هذا المعنى، ولذلك فإن الفقه الإِسلامي الذي تلقته الأمة عن علماء الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة