الاحتجاج لها بالكتاب والسنة والإجماع الذي نقله الأئمة الثقات العدول من أئمة السلف -وهذه هي عقيدة الإِسلام التي عرفها رسول الله وبلّغها وعلمها لأصحابه وبلغها أصحابه لمن بعدهم، ومقتضاه سجود القلب والعقل لهذه الشريعة، والوقوف عند ماحده الله وشرعه في الاعتقاد، ما كان منه خاصاً بالأمور الغيبية كأحوال الآخرة وما كان منه خاصاً بصفات الله سبحانه .. فلا مراجعة ولا معارضة ولا تعطيل ولا تشبيه، بل نثبت ما أثبته الله لنفسه وننفي ما نفاه، ونسلّم لأمره في العقيدة كما نسلّم له في الشريعة، ولا نقول كيف في الغيبيات ولا لِمَ في الأحكام، ولا نرد شيئاً من أمره سبحانه ولا نعارضه بعقل ولا بعرف ولا بشيء من الأشياء بل نؤمن ونذعن وننقاد، مستسلمةً قلوُبنا وعقولُنا وجوارحنا وليس بعد ذلك إلّا إحسان العمل والصبر على مهمة التربية والجهاد في واقع الأرض، وهذه هي طبيعة الجيل الأول الذي هو خير القرون .. ولا بد من بذل الجهد في تصحيح العلم والدعوة إليه بكل ما أمكن حتى نرجع إلى صفات ذلك الجيل، وننقي عقولنا وقلوبنا وكتبنا ومناهجنا وحياتنا كلها من آثار الانحراف الذي اجتمع على زخرفته وتزيينه ونشره الفرق الضالة قديماً والمذاهب المعاصرة حديثاً، ولنذْكر وجه الربط بينهما لنكشف عن شيء من خطورتهما ..
إن مسالك الفرق الضالة -التي منها مخالفة طريق الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه وتابعيهم بإحسان - والتي من أقبح نتائجها -كما أسلفت - تغيير منهج التلقي، والذي ترتب عليه اتباع مسالك منحرفة في الاستدلال أفرزت عقائد وأحكاماً مجافية "للوحي" فزادت فيه ما يناقضه .. ونقصت من صلبه ما أدى إلى انحرافهم، وأخطر من ذلك كله أنها سهّلت على كثير من الناس قبول الزيادة في الدين والنقص منه، وما زالت آثار هذا الانحراف تزداد بقدر ما لآراء الفرق من سعة في الانتشار .. فلما جاء الغزو الفكري الحديث الذي تمثله المذاهب الفكرية المعاصرة جاء ليرتكز على هذا الانحراف نفسه ويوسعه ويدافع عنه ويسعى لحمايته فكان أن تقبل العالم الإِسلامي هذه المذاهب لتزيد في الدين ما ليس منه ولتكون هذه الزيادة هي أحكام القوانين