ومن المفيد أن أختم هذه المقدمة ببيان أن كيد الأعداء لم يكن لينفذ لولا أن المسلمين فرطوا فيما كلفهم الله به، فحقت عليهم سنة الله الجارية، فتغير حالهم من اجتماع إلى تفرق ومن قوة إلى ضعف، وكثرت فيهم طوائف أهل التبديل، ولم تسلم القرون المفضلة إلّا لأنها ثبتت على الأمر الأول، أما الأجيال المتأخرة فقد سقطت في فتنتهم لما كثُر الخبث فيها وفرط كثير من علمائها في إقامة الحق، بل وانتسب منهم خلق كثير إلى الفرق الضالة، ولا نتوقع بعد ذلك إلا تخلفاً عقائدياً كبيراً -يقع في المجتمع الإسلامي- كانت خاتمته إسقاط الخلافة وإحلال أهواء البشر وأنظمتهم محل شريعة الله، وامتزجت أكثر أهواء الفرق مع أهواء المذاهب الفكرية المعاصرة والتيارات الجديدة المنحرفة.
وطريق العودة هو خروج هؤلاء من فتنة التبديل وفهم الإسلام عقيدة وشريعة كما فهمه رسول الإسلام وأصحابه عليهم رضوان الله ومن ثمَّ تخرج هذه
الأمة من هذه المرحلة الخطيرة وتخرج البشرية معها بإذن الله.
ومن المعلوم أن مجرد بقاء الوحي -كتاباً وسنة- بلا تحريف ولا تبديل لرسمه، لم يكن هو الذي بنى الجيل الأول والقرن الذي يليه والقرن الذي يليه، ولم يكن أيضاً مجرد الانتساب، بل كان وراء ذلك فهمٌ متوازنٌ متكاملٌ للعقيدة، وتطبيقٌ حيٌ واقعيٌ لأحكام الإسلام، ومنهج تربوي يحفظ هذا المجتمع على الصورة الصحيحة للإسلام فكراً وعملًا، ومن ثم كان ذلك الجيل هو الحجة علينا وعلى البشرية جمعاء، وسبيله هو السبيل الوحيد لإقامة الحق والخير في هذه الأمة وفي البشرية بإذن الله.
وهذا الكتاب مساهمة متواضعة في هذه السبيل، يقصد لتحقيق تلك الغاية وينطلق من ذلك المنطلق ويعالج آثار تلك الفتنة العمياء .. من خلال دراسة قضية "الثبات والشمول في الشريعة الإسلامية" وأرجو من الله سبحانه أن يكون مساعداً على جمع الإِيجابيات الكثيرة لهذه الفترة التجديدية التي تعيشها