في شغل شاغل بالتكفير والقتال (?) فلم يكن عندهم من الوقت ما يمكنهم من الاشتغال بالفلسفة، وطبيعتهم الخاصة لا تساعدهم على ذلك، فهم كما ثبت في الحديث: "يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم" (?)، وفي هذا إشارة إلى عدم اشتغالهم بالتفكر والتدبر في المعاني الشرعية التي هي قاعدة المنهج الصحيح فإذْ لم يفعلوا ذلك وبعدوا عنه فهم إذًا أشد بعدًا عن النظر الفلسفي، لأن الطريقة الشرعية في التدبر والتفكر سهلة ميسرة، وتقرير مسائل العلم ميسر أيضًا لمن صبر على التعلم والتفقه .. أما مسالك النظر الفلسفي فعلى الضد من ذلك، وكان من صفاتهم بعد ذلك التعلق بالنظر الأول عند تقرير مسائل الدين وعند الحكم على الأحداث والوقائع (?). وذلك هو السبب الأول الذي حملهم على تأسيس قواعد منحرفة، ثم البناء عليها فلم يمكنهم بعد ذلك التصحيح لتزيدهم في الغلو.
ومنها: أنهم أصحاب عبادة وتزهد وعمل دائب لا ينقطع وشدة تفان في نصرة مذهبهم يحقر المحسن عمله مع عملهم (?) وهذا مانع آخر من انشغالهم بالفكر الفلسفي (?).