الثاني: أن الشريعة في نفسها تفيد العلم بصرف النظر عن إدراك المجتهد لذلك أو تردده فيه، كما نقول عنها أنها ثابتة ومعصومة من أن يضيع من أحكامها شيء أو يفوت، ولا يلزم من ذلك أن يعلم المجتهد جميع نصوصها (?).
الثالث: أنا لو سلمنا أن الشارع وضع بعض نصوصه محتملة لمعاني متعددة لمصلحة العباد (?) وذلك يقتضي تردد المجتهد في تعيين المقصود منها وهذا ينافي القول بأن الشريعة تفيد العلم.
فالجواب أن ذلك لا ينافي إفادة الشريعة العلم تمامًا كما نقول أن "الشريعة محكمة" مع أن "المتشابه" موجود فيها، فكما لا يمنع وجود المتشابه إطلاق لفظ "الإِحكام" على الشريعة فكذلك لا يمنع وجود الظواهر المحتملة القول بأن "الشريعة تفيد العلم".
وسواء قلت أن الشريعة قطعية كما قال الشاطبي، أو قلت أنها تفيد العلم -بالشرط المذكور- كما قال أئمة السلف، سواء قلت هذا أو ذاك، فإن الذي أقصد إلى تقريره في هذا المبحث قد اتضح -والحمد لله- ألا وهو قوة الأدلة النقلية على إثبات الحجة على الخلق في العقيدة وسائر الأحكام، وبهذا نستفيد من نصوص الشريعة كتابًا وسنة دون أن نفرق بينها أو نضعف نوعًا منها، وهذا من أهم قواعد الثبات والشمول، وسيأتي لذلك زيادة بيان عند الحديث عن طرق الاجتهاد إن شاء الله.
* * *