السيئة على ثبات الشريعة وشمولها، وذلك في أسلوب ميسر بقدر الاستطاعة، ومتتبعاً في ذلك أهم طرق الاجتهاد وذلك بعد التعريف العلمي بهذه الشريعة ومقصدي من ثباتها وشمولها وبيان منزلتها.
ومما زادني اهتماماً بدراسة هذا الموضوع ازدياد حدة هذا الانحراف فى عصرنا الحاضر، فقد التقى مع تلك الانحرافات انحراف أعتى وأشد، ذلك أنه انحراف آت من خارج هذه الأمة، ودخل إليها هذه المرة كما هو عند أعدائها دون تنقيح ولا تعديل، وهو ذات الانحراف الذي تلقته الأمة الإسلامية من قبل ولكنها نقلته تلك الحقبة من الزمن وهي على حال غير الحال التي هي عليه الأن، فقد كان إطاره محدوداً ممثلاً في بعض الطوائف، وتجابهه عوائق كثيرة جداً أبعدته عن التأثير في أحكام الشريعة وذلك لرسوخها في عالم التطبيق دون منازعة من أي منهج خارجي، وألجأته لأسباب عدة إلى دراسات الغيبيات، ومع آثاره البالغة السوء في هذا الجانب إلا أن الشريعة الإسلامية كمنهج للحكم لم تتعرض لهجمات العقل اليوناني والمعتزلي، ومن ثم لم يكن لها شريك خارجي يضايقها أو يطاردها.
وقد كان من آثار هذا الانحراف -وهي كثيرة وبالغة الخطورة- أن التقى مع الانحراف الذي صدرته أوروبا الحديثة إلى الفكر الإسلامي، فقد عبدت أوروبا هذه المرة العقل عبادة مطلقة وأعطته جميع صفات الإله، ودفعت بفكرها إلى قلب العالم الإسلامي في شكل نظريات ومبادئ ومذاهب وأنظمة.
ولأن البشرية اليوم تعيش أكثر انحرافاتها في الواقع التطبيقي لا في مجرد الفلسفة -كما فعل اليونانيون وكما فعلت المعتزلة- فإن الانحراف السابق واللاحق وكلاهما قادم من تراث اليونان الوثني، السابق قدم عن طريق المعتزلة، واللاحق عن طريق الاستشراق، كان لكل منهما أثر سيء على واقع العالم الإسلامي، وتسلل إلى الواقع التطبيقي بقدر أكبر من تسلله إلى عقول الأمة وقلوبها، وكان من آثاره البالغة السوء أن جعل القوانين الوضعية مساوية للشريعة الإسلامية، بل ومقدمة عليها، حكم بذلك العقل الأوروبي اليوناني ومهد لهذا الحكم بمذاهب ونظريات ومؤلفات وواقع مشهود وهو في طريقه المحدد له مستمر في