الشرعية، ثم انتشر هذا الأثر السيء في داخل الأمة، وخاصة بعد أن أصبح النظر في المسائل الدينية مشاعاً لكل أحد علم أوجهل، فضعف سلطان "الشريعة" على كثير من النفوس، وليس ذلك بعجيب لأنه إذا ضعف سلطانها على قلوب بعض المنتسبين للعلم، فأعطوا العقل حق الحكم على النص بإلغاء مقتضياته، فإنه لابد من أن يترك هذا المسلك الفاسد أثره داخل الأمة الإسلامية.
ومن هنا جُعل للعقل منزلة الحكم على الشريعة بالزيادة أو النقص، وفُتح باب البدع في الأصول والفروع، وكان تحقق هذا الأثر على صفات الشريعة سبباً في دراسة هذا الموضوع، لمعرفة الضوابط العلمية التي اتفق عليها سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الإِسلام واستدلوا عليها بالكتاب والسنة والإجماع.
ويترتب على ذلك أن نتعرف على منهجهم في الاستدلال لأنه من "الدين" وكل ما يشمله مفهوم الدين ملزم لنا، ومن هنا نفرق بين منهج الاستدلال الإسلامي ومسالك النظر الفاسدة عند المخالفين قديماً وحديثاً، ويتكفل البحث ببيان الفرق في كل موضع بما يناسبه، وفي هذا محافظة على ثبات الشريعة من جانب ومن جانب آخر فيه بيان لكيفية تحقق شمولها في الواقع.
والطريق المؤدي لذلك كله هو دراسة منزلة هذه الشريعة، وبيان أن الشارع إنما هو الله سبحانه، وأن النسخ والتبديل والتغيير ليس لغيره، كما أن إنشاء الحكم وإرسال الرسل ليس لسواه سبحانه، وهذه عقيدة من العقائد التي تحتاج إلى تجلية فقد قل الحديث عنها - وإن كانت موجودة في كتب الأصوليين تحت عنوان "من هو الحاكم"، فكان لا بد من الحديث عنها وتجليتها، لأنها ضرورية لإدراك الفرق بين الألوهية والعبودية، وبين الإسلام والجاهلية، وبين السنّة والبدعة، ولكل طوائف البشرية مواقف منها، يتحدد بعدها موقفهم من هذه الشريعة من حيث ثباتها وشمولها، قبولها أو رفضها، الزيادة فيها أو النقص منها.
ويتصل بهذا الضابط ضوابط أخرى لا بد من الحديث عنها، ذلك أن كثيراً