29 - أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبُو الْبَيَانِ، ثنا ابْنُ أَبِي الْمَكَارِمِ بْنِ هَجَّامٍ الْحَنَفِيَّانِ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِمَا، وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ أَبِي الْفَضَائِلِ، شَفَاهًا , قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيِّ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمَقْدِسِيُّ النَّحْوِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ، أَنَا أَبُو صَادِقٍ مُرْشِدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِم الْمَدِينِيُّ، أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْخَيَّاشُ، ثنا أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ الْبَغْدَادِيُّ الْمَنْجَنِيقِيُّ، نَزِيلُ مِصْرَ إِمْلاءً، ثنا الصَّلْتُ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيُّ، ثنا هُشَيْمٌ، أنا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: انْقَلَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِلَى أَهْلِهِ بِمِنًى، فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , فَوَجَدَنِي أَنْتَظِرُهُ وَكُنْتُ أُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ: إِنَّ رَجُلا أَتَى عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: سَمِعْتُ فُلانًا يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَبَايَعْتُ فُلانًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي قَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ وَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوا أَمْرَ النَّاسِ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لا تَفْعَلْ، فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَائِهِمْ، وَهُمُ الَّذِينَ يُغْلَبُونَ عَلَى مَجْلِسِكَ، فَإِنْ قُلْتَ مَقَالَةً لَمْ يَحْفَظُوهَا، وَطَارُوا بِهَا كُلَّ مَطَارٍ، وَلَكِنْ أَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ دَارَ الْهِجْرَةِ فَتَخْلُصَ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا فَيَعُوا مَقَالَتَكَ، وَيَضَعُوهَا مَوَاضِعَهَا، قَالَ: لَئِنْ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ سَالِمًا لأُكَلِّمَنَّ النَّاسَ فِي أَوَّلِ مُقَامٍ أَقُومُهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَدِمْنَا فِي عَقِبِ ذِي الْحَجَّةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ هَجَرْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فِي صَكَّه عُمَيٍ، فَوَجَدْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ الْمِنْبَرِ الأَيْمَنِ، فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ تَمَسُّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ جَاءَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُلْتُ لِسَعِيدٍ: لَيَقُولَنَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْ مِثْلَهَا مُنْذُ اسْتُخْلِفَ، قَالَ: وَمَا عَسَى أَنْ يَقُولَ؟ فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ جَاءَ عُمَرُ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ عُمَرُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ , فَإِنِّي قَائِلٌ مَقَالَةً قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي، فَمَنْ حَفِظَهَا وَوَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَمَنْ لَمْ يَعِهَا فَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ فِيمَا أُنْزَلَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ، فَقَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا، وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، وَإِنِّي خَائِفٌ إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ، الرَّجْمُ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا كَانَ مُحْصَنًا، وَكَانَ حَمْلٌ أَوِ اعْتَرَافٌ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْلا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتُهَا أَلا وَإِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ: لا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَوْ إِنَّ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» .
أَلا وَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلا مِنْكُمْ يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلانًا، فَمَنْ بَايَعَ أَمِيرًا مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلا بَيْعَةَ لَهُ، وَلا لِلَّذِي بَايَعَ لَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلا، فَلا يَغْتَرَّنَّ أَحَدٌ بِقَوْلِ إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً، أَلا إِنَّهَا كَانَتْ كَذَلِكَ إِلا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ فِيكُمُ الْيَوْمَ مَنْ تُقْطَعُ إِلَيْهِ الأَعْنَاقُ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ، أَلا وَإِنَّهُ كَانَ مِنْ خَيْرِنَا يَوْمَ تَوَفَّى اللَّهُ رَسُولَهُ تَخَلَّفَ عَنَّا عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَمَنْ مَعَهُمَا فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ، وَتَخَلَّفَتْ عَنَّا الأَنْصَارُ بِأَجْمَعِهَا، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الأَنْصَارِ نَنْظُرْ مَا صَنَعُوا، فَخَرَجْنَا نَؤُمُّهُمْ فَلَقِينَا رَجُلَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالا لَنَا: أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؟ قُلْنَا: نُرِيدُ إِخْوَانَنَا مِنَ الأَنْصَارِ، قَالا: لا عَلَيْكُمْ أَنْ لا تَأْتُوهُمْ وَاقْضُوا أَمْرَكُمْ، فَقُلْنَا: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ، فَجِئْنَاهُمْ فَإِذَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَإِذَا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، قُلْتُ: وَمَا لَهُ؟ قَالُوا: وَجِعٌ، فَلَمَّا جَلَسْنَا قَامَ خَطِيبُهُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ، وَكَتِيبَةُ الإِسْلامِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ مِنَّا وَقَدْ دَفَّتْ إِلَيْنَا مِنْكُمْ دَافَّةٌ تُرِيدُونَ أَنْ تَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا، فَلَمَّا سَمِعْتُ كَلامَهُ وَقَدْ كُنْتُ زَوَّرْتُ فِي نَفْسِي مَقَالَةً أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَكُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْجدِّ، وَكَانَ أَوْقَرَ مِنِّي وَأَحْلَمَ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ فَأَخَذَ بِيَدِي وَقَالَ: اجْلِسْ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَوَاللَّهِ مَا تَرَكَ شَيْئًا كُنْتُ زَوَّرْتُهُ فِي نَفْسِي إِلا قَالَ فِي مِثْلِهِ فِي بَدِيهَتِهِ، مِنْ غَيْرِ تَرَوِّي، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ أَهْلُهُ، وَلَنْ تَعْرِفَ الْعَرَبُ هَذَا الأَمْرَ إِلا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَنَسَبًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَكَانَ جَالِسًا بَيْنَنَا فَلَمْ أَكْرَهْ شَيْئًا مِنْ مَقَالَتِهِ غَيْرَهَا، كَانَ وَاللَّهِ أُقَرَّبَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي لا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ، وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَكَثُرَ اللَّغَطُ، وَنَشَبَ الاخْتِلافُ، وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدًا، فَقُلْتُ: قَتَلَ اللَّهُ سَعْدًا، وَخَشِيتُ إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ أَنْ يُحْدِثُوا بَعْدَنَا بَيْعَةً فَإِمَّا أَنْ بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا نَكْرَهُ، أَوْ يَكُونُ فَسَادٌ وَاخْتِلافٌ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ ابْسُطْ يَدَكَ، فَبَسَطَهَا فَبَايَعْتُهُ وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ لَقِيَاهُمْ مَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ، وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ الَّذِي قَالَ: أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ، وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ، الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِطُولِهِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى الطَّبَّاعِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِمَعْنَاهُ , غَيْرَ أَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَ سَعِيدٍ عَنْ عُرْوَةَ، وَقَوْلُ عُرْوَةَ عَنْ سَعِيدٍ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِطُولِهِ فِي الْحُدُودِ مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِمَعْنَاهُ
تُوُفِّيَ الشَّيْخُ الشَّاطِبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَوْمَ السَّبْتِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ.