ولم تكن هذه مواقف فردية وإنما حرص الصحابة على فهم القرآن لأنه طريق العمل - كما قلنا - بل ورد عنهم قالوا: «كنا إذا نزلت عشر آيات من كتاب الله تعالى لم نبرحها حتى نحفظها ونفهم معانيها ونعمل بها حتى إذا اكتمل القرآن نزولا كان قد اجتمع لدينا ثلاث: الحفظ والفهم والعمل» (?).
وربما لم يثبت أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك تفسيرا كاملا للقرآن، وذلك لأنه لم تكن هناك أسباب داعية إليه، فأصحابه كانوا يتمتعون بذكاء وسلامة فطرة منقطعة النظير، ومع ذلك وضح لهم ما أشكل عليهم، وهم بدورهم بلغوا ما فسره لهم، ووضحوا أيضا من خلال مشاهداتهم لنزول الوحي والأحوال المقترنة به ما وسعهم توضيحه.
ثم جاء عصر التابعين فتكلم الأئمة: منهم الحسن البصري وعكرمة مولي ابن عباس وسعيد بن المسيب، ثم مجاهد وقتادة وأبو إسحاق السبيعي ... وغيرهم.
وكانت مرويات التفسير تروي على أنها أبواب من الحديث، ولم يظهر تفسير كامل استوعب القرآن من فاتحته إلي خاتمته إلا في أواخر القرن الثالث وأوائل الرابع الهجري على يد شيخ المفسرين محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ)، ثم توالي التصنيف في التفسير والتفنن في مذاهبه.
ولا زال إلي الآن يكتب في التفسير ويتوصل إلي جديد من معاني كلام الله تعالى، وسيظل ما دامت السماوات والأرض زاخرا بالمعاني التي يعد تفسيرها تجديدا لإعجازه.
وعن نشأة أصول التفسير: لقد نشأ علم أصول التفسير مقترنا بالتفسير وإن لم يكن تحت هذا المصطلح