قال: إلى أين تذهب أيها الماء فنودي قد بلغ علمك، فلما رجع الخضر إلى ذي القرنين قال له: يا ذا القرنين إني شربت من ماء الحياة وتطهرت منه وأعطيت الحياة إلى يوم النفخ في الصور وموت أهل السموات والأرض ثم أموت حتماً مقضياً، ومنعت أنت ذلك ولك مدة تبلغها وتموت فارجع فليس بعدها مزيد لأنس ولا جن - ولم ير ذو القرنين سبباً فأقام حيناً ينتظر السبب، فأنشأ يقول:
منع البقاء تقلب الشمس ... وطلوعها من حيث لا تمسي
وطلوعها بيضاء صافية ... وغروبها صفراء كالورس
تجري على كبد السماء كما ... يجري حمام الموت للنفس
لم أدر ما يقضيه حكم غد ... ومضى بفصل قضائه أمس
وتشتت الأسباب تخلجني ... نحو العراق ومطلع الشمس
أزجي لهم حرباً تؤدبهم ... يلقون ذاك بأوجه عبس
تهوى المنون عليهم قذفاً بليوث غاب غير ما نكس
في ألف ألف كالنجوم لهم ... زجل كأسراب القطا الهمس
والصعب ذو القرنين قاد بها ... لصلاح أرض الترك والفرس
يا رب معصوم لساحتها ... عن هالك بعالم درس
للدهر أيام لعبن بنا ... يأتي القضاء بمحكم الطرس
كم من قرير العين في دعة ... ومروع الأيام في نحس
ومسود من غير مكرمة ... وممجد في ذاته يمسي
وعسيف قوم ظل في سعة ... ومقام حر عاش في تعس
ومعزز لم يلق قط وغى ... وحليف ذل فارس الدعس
إني أرى الأسباب واضحة ... وأرى علوم الغيب في طمس