فلم يطق أن ينهض، ثم قال: يا لبد صحبتني فصحبتك وكذبتين فكذبتك، ثم عاد لقمان فأخذ لبداً فرمى به ليعلو ويطير فسقط وتطاير ريشه فقال:
انهض لبد نهضاً شدد ... فإن الملك للمجرد
يشير إلى الحرث بن ذي شدد.
فلما أيقن بالموت قال: يا قوم دعوني من سير الجبارين واسلكوا بي سبيل الصالحين احفروا لي ضريحاً واروني ترباً وحصباً ولا تجعلوني للناظرين نصباً ومات لقمان ودفن بالأحقاف إلى جوار قبر هود النبي عليه السلام. وقد ذكر لقمان والنسور كثير من الشعراء فقال تيم اللات بعده:
رأيت الفتى ينسى من الدهر حقه ... حذار لريب الدهر والدهر آكله
ولو عاش ما عاشت للقمان انسر ... لصرف الليالي بعد ذلك يأكله
قال النابغة يصف لبداً:
أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا ... أخنى عليها الذي أخنى على لبد
وقال لبيد بن ربيعة فذكر لقمان وقصته ولبداً وقصته:
لله نافله الأجل إلا فضل ... وله العلى واثبت كل موصل
لا يستطيع الناس محو كتابه ... أني وليس قضاؤه بمبدل
سوى فاعدل دون عزة عرشه ... سبعاً طباقاً فوق فرع المنقل
والأرض تحتهم مهاداً راسياً ... نبتت جنباتهم بصم الجندل
بل كان سعيك في حياتك باطل ... وإذا مضى شيء كأن لم يفعل
لو كان شيء خالد لتواءلت ... عصماء مؤلفة ضواحي مأقل
بظلوفها ورق البشام ودونها ... طود يزل سراته بالاجدل