أمري ما كذا وكذا، قالوا له: هل رأيت شيئاً؟ قال: لا. قال له وائل ابنه: سترى يا أبت أن الله كريم لا يمنعك شيئاً إلا جعل لك منه عوضاً. فلما نام الليلة الثانية آتاه آت فقال له: اقرأ يا حمير! قال له: وما أقرأ فنظر إلى جبينه فإذا عليه خط مكتوب قال له حمير: اقرن هذا بخط أبيك المسند من الأول إلى آخره هذا الخط فقرأ حمير وردده حتى فهمه. فلما أصبح دعا بنيه وكتبه وهو هذا.
ثم قال له: يا حمير استخدم هذا ولا تستخدم المسند فإنه وديعة عندكم إلى وقته وإنما قيل له المسند أسند إلى هود عن جبريل.
قال وهب: وإن حمير ملك الأرض ومن عليها حتى لم يبق منها مكان كما ملكها أبوه سبأ وكان عمر حمير أربع مائة عام وخمسة وأربعين عاماً أقام في الملك أربع مائة عام، فلما جاوز مائة قال:
ملكت من عدد السنين هنيدة ... ذا الملك عمرك زينة الأيام
وأرى السباب يميل في لهو الصبي ... ومع الشباب غواية الأيام
فلما بلغ مائتين قال:
سأميت عن مائتين ملكاً باذخاً ... والعمر لا يبقى مع الأعوام
قالوا لحمير مدة محجوبة ... والغيب لا يخفى على العلاَّم
فلما بلغ ثلاثمائة قال:
لما ركبت من المأين ثلاثة ... كان الذي أمضيت كالأحلام
والعمر يدأب والمشيب كلاهما ... يتسابقان إلى محل حمام