موتي إني أموت اليوم يا لبد ... وحسرتي أن قد تصرم الأبد
فطر كما كنت سالماً لبداً ... تحيا ونحيا معاً ونحتفد
إني وإياك في تفرقنا ... سيان شقا كالروح والجسد
إن مت لم أبق إنما أجلي ... ما عشت فابق ما أن لك الرشد
ما لي سوى ما بقيت من عمري ... فليس لي من سبيلك السدد
قد هالني ما أرى وأرعبني ... أني واجد فترة كما تجد
أنكرت ظهري وركبي ويدي ... فالبطن والصدر فيهما ويد
قد غالني كلما أرى نفسي ... والموت آت إذا انقضى لبد
وإن يكن آتياً سأكرهه ... لأنه متعب للمراد يرد
يسل نفساً من المفاصل لا ... يخلف إن جل موعد لقد
ثم سقط لبد ميتاً، فجاء لقمان لينهض فاضطربت عروق ظهره وخرَّ ميتاً - وكان أمرهما هذا بمرأى من رجل من العمالقة، يقال له المثنى بن عمرو العمليق - والعمالقة يومئذ سكان السراة والحجاز كلها، وكان المثنى شاعراً حافظاً، حفظ قول لقمان وشعره وعاين كيف كان هلاك نسره فقال وهو يبكي على لقمان ويرثيه:
فنيت وأفنى الله نسلك من نسر ... هلكت وأهلكت من عاد وما تدري
فمن ذا ينجي بعد لقمان فكره ... يخلصه يا قوم من تلف الدهر
فاسنوا منكم أنفساً ببقائها ... فما لكم في الرأي في ذاك من عذر
وخيرها فاختار لم يك عالماً ... محيطاً بها إلا على الشك أو نسر
قال: ثم انطلق المثنى إلى ناس من قومه العماليق فأخبرهم بأمر لقمان