فانهزم قيصر إلى الدرب فأرسل إلى غسان وخشي أن يدخل عليه من الخلل في ملكه وخشي أن يفتق عليه ما لا يستطيع رتقه وقال لهم: إن الرعية قد ظلمتكم ولم أعمل بظلمكم إلى الآن فصالحوه على ما أرادوا وعظم ملك عمرو بن علبة وبني جفنة - وعمرو وهو أول ملك من آل جفنة متوج بالشام حتى أخرجهم جبلة بن الايهم. فقال في ذلك رجل من غسان يقال له حبة بن الأسود:

فمن مبلغ عنا يماني قومنا ... بأنا قتلنا بالمحفف ضجعا

قتلنا سليحاً والذين تضجعموا ... بأسيافنا إذ صيروا الأمر مبهما

أرادوا ليجروا عند ذلك جزية ... علينا ويضحي ما لنا ثم مغنما

وما إن قتلناهم بأكثر منهم ... ولكن بأولى بالطعان وأكرما

أراد ملوك الروم أن يبلغوا العلا ... فلاقى وسيطاً نحبه بقطر الدما

فذوقوا من الوجد الذي هو دائم ... فإن لكم يوماً عبوساً سرمرما

قال: ثم أن الروم صالحت غسان. على أن لغسان ملك الشام وأن لأشرافهم بالشام ما لأشراف الروم بأرض الروم وإن لملكهم عمة على الروم وعلى الروم إن دهمت غسان شدة أربعة آلاف فارس وثمانية آلاف راجل. فلبثوا على ذلك دهراً، ثم أن الملك حارثة بن ثعلبة ترك بني عمه بالشام وسار حارثة يريد يثرب بمن معه من ولده وولد ولده، وسار معهم ثعلبة بن جفنة أخو عمرو بن جفنة ومعهم جذع بن سنان فوردوا يثرب فنزلوا بصؤار وأهل يثرب يومئذ اليهود وملكهم شريف بن كعب اليهودي، فقال لحارثة بن ثعلبة: لا ندعك تقيم معنا إلا على شرط وعهد تكتبونه بيننا وبينكم، قال له حارثة: وما هو؟ قال: تكتبون عهداً بين بني

إسرائيل وغسان: أن اليهود لغسان حاضرة وإن غسان لليهود بادية،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015