قتالاً شديد. فلما رأى عمرو بن جفنة قلة قومه وازدياد الروم وتكالبهم عليهم وسليح وكنانة وجذام مع الروم على غسان ورأى ذلك زيد بن نمر الكناني نادى يا آل حلب تأنف النفوس من هذا ما ترون الروم يقتلون غسان ويهدمون بني قحطان ونحن نسر بذلك ونعين عليهم وإن عمرو بن جفنة قال: يا بني جفنة أطيعوني في أمر أشير به عليكم قد افترق عنكم من هولكم وفشت فيكم الجراح وتكالبت العلوج عليكم والله لأمرن السيف على ودجي قبل أن أولي ظهري أعجمياً، قال له: رأيك يا عمرو؟ فأرسل إلى القيصر في المهادنة، فأرسل إليه القيصر: لا صلح حتى ترموا سلاحكم وتسلموا أنفسكم للبلاء، فقال في ذلك غسان بن جذع ابن سنان:
لعمري لقد فاز الذين تقدموا ... وصاروا إلى عز ولم يتذللوا
فما الموت عار أن يصاب به الفتى ... ولكن عاراً أن يزول التجمل
فلا تخضعوا للدهر عند ملمسه ... فكل الذي يؤتى به المرء ينزل
ثم نهض للقتال مع غسان فأرسل إليهم قيصر أن احبسوا سلاحكم واسمعوا وأطيعوا. فأرسل إليهم عمرو بن جذع بن سنان فقال له: نحن قوم لم تجر علينا طاعة لأحد غير تبع وكانت علينا وعليكم ولكن أرى ما أحببت غير هذين فقال:
أعطوني ديناراً جزية عن كل واحد منكم، فصالحوه على أن يعطوه ديناراً على كل واحد، وأتى رسول قيصر يجني المال من غسان، فنزل بباب دمشق فسمي باب الجابية إلى اليوم، ثم أن غسان أخذتهم سنة جدبة فنزلوا لواد يقال له (المحفف) وشتوا فيه في جهد شديد، ثم أن عاملاً لقيصر من سليح يقال له وسيط بن عوف الضجعمي أرسله قيصر إلى غسان وأمره فيهم بالغلظة وقال لرجاله: القوا بهم الشر