فأضحى لكم نوراً وكنتم له مناراً، فمن استمسك فقد أصاب ومن الحد فقد أخطأ. دعا فأصاب ودعي فأجاب، غاب وشهدتم فأدوا ما سمعتم وعلمتم، أيها الناس هيهات والله هيهات أصبحتم بين طبقتين من الأموات تسابقون الساعات وتنتظرون الميقات خلقتم قبل الوعد والوعيد وتقدمتم النبأ وجاءكم الخطاب وغاب عنكم الثواب وإلى الله المآب - خلقتم قبل كل شيء ولكم نفع كل شيء وعليكم ضر كل شيء فعليكم الشكر ولكم النصر، أيها الناس سمعتم وأبصرتم والسمع والبصر للفؤاد، فمن سمع وأبصر نجا ومن لها هفا وعهد الدهر لكم هباء وثأركم جبار ولتعودن أخباراً، ثم من بعد من أين إلى أين، ثم أنشأ يقول:
ألم يوجلك ذا الخبر اليقين ... بذاك وإن نأى وقت وحين
ألم تر كلما ولى وأودى ... قرانا لا يعود ولا يكون
وما دنياك إلا حلم يوم ... تنبه كي تدان بما تدين
فإن الزاد محفوظ إذا ما ... تحمل عن مغانيه القطين
ألم تسمع بذي القرنين لما ... تمكن عنده الملك المكين
وكان الصعب في الدنيا بضغو ... وجد الدهر فيه له قرين
تقضي طول مدته فأخنى ... عليه بصرفه دهر خؤون
تعدت فيه أسباب الليالي ... وأخرج من أمانته الأمين
فجاد بروحه لما دعته ... دواعي الحين وهو بها ضنين
لقد جارى الخلود إلى مداه ... وبان فأنجم الأفلاك جون
ألم تر صاحب الملكين أمسى ... تحزمه عن الدنيا المنون