وللإنسان أن ينقل منفعة الشيء الذي يملك إلى غيره مدة معلومة ومجهولة، إذا كان ذلك على غير العوض؛ لأن ذلك فعل خير ومعروف، ولا يجوز أن يخرج شيء من ملك مالكه إلا بيقين ودليل على صحة.
وقد قال القاسم بن محمد: ما أدركت الناس إلا على شروطهم فيما أعطوا (?).
والدليل على أن العمري لا تقتضي نقل الملك عن الرقبة أنه لو قال: بعتك شهرًا أو تصدقت به عليك شهرًا، وأراد نقل ملك الرقبة لم يصح، وكذلك إذا قال: أعمرتك؛ لأنه علقه بوقت مقيد، وهو عمره.
وأما حديث جابر الذي احتجوا به فهو حجة عليهم، وذلك أن المعمر إذا أعمر زيدًا وعقبه، فليس له أن يرجع فيما أعطى زيدًا، فكذلك فيما أعطى عقبه، والكوفي خالف هذا الحديث ولم يقل بظاهره كما زعم؛ لأنه يقول: إن للمعمر بيع الشيء الذي أعمره ومنع ورثته منه، وهذا خلاف شرط المعمر؛ لأنه أعطى عقبه كما أعطاه.
وليس هو بأولى بالعطية من عقبه، وهو معنى قوله - عليه السلام -: "لأنه أعطى عطاءً وقعت فيه المواريث" يعني: التداول للمنفعة لا ميراث الرقبة، وقد قال تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [الأحزاب: 27]، فلم يملكوها بالمواريث التي فرض الله تعالى، وإنما أخذوا منهم ما كان في أيديهم، فكذلك العقب في العمرى يأخذ ما كان لأبيه بعطية المالك.