وخص المسلم بالذكر؛ لأنه ينوي عند الغرس غالبًا أن يتقوى به على العبادة؛ ولأنه الذي يُحصِّل الثواب -بخلاف الكافر- وغايته أن يخفف العذاب عنه فيمن خص به (?)، وقد يطعم في الدنيا ويعطى بذلك، ويعني بالصدقة ثوابها مضاعفًا، كما قال تعالى {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} الآية [البقرة: 261].
وفيه: أن الغراس واتخاذ الضياع مباح وغير قادح في الزهد، وقد فعله كثير من الصحابة وغيرهم، وذهب قوم من المتزهدة إلى أن ذلك مكروه وقادح في الزهد، ولعلهم تمسكوا في ذلك بحديث الترمذي محسنًا، وابن حبان من حديث ابن مسعود مرفوعا: "لا تتخذوا الضيعة فتركنوا إلى الدنيا" (?).
ويجاب بأن النهي محمول على الاستكثار من الضياع، والانصراف إليها بالقلب الذي يفضي بصاحبه إلى الركون في الدنيا، وأما إذا اتخذها غير مستكثر، وقلل منها، وكانت له كفافًا وعفافًا فهي مباحة غير قادحة في الزهد، وسبيلها كسبيل المال الذي استثناه الشارع بقوله: "إلا من أخذه بحقه ووضعه في حقه" (?) فإن نوى بما غرس معونة المسلمين ورجاء ثواب ما يؤكل وشبهه، فذلك من أفضل الأعمال وأكمل الأحوال.