القبلية والجوفية متصلتان بهما، ولذلك حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين لابتي المدينة، جمع دورها كلها في اللابتين، وقد ردها حسان بن ثابت إلى حرة واحدة فقال:
لنا حرة مأطورة بجبالها ... بني العز فيها بيته فتأهلا (?)
وقوله: مأطورة يعني: مقطوعة بجبالها؛ لاستدارتها، وإنما جبالها الحجارة السود التي تسمى الحرار (?)، وقالوا: أسود لوبي ونوبي، منسوبة إلى اللوبة والنوبة، حكاه في "المحكم" (?).
ثالثها: فإن قلت: ما إدخال حديث أنس في بناء المسجد في هذا الباب بعد قوله: "لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا". قلت: وجهه كما قال المهلب: ليعرفك أن قطع النخل كان ليبوئ المسلمين مسجدًا.
ففيه من الفقه: أن من أراد أن يتخذ جنانًا في حرم المدينة ليعمرها ويغرس فيها النخل، ويزرع فيها الحبوب، أنه لا يتوجه إليه النهي عن قطع شجرها ولا يمنع من قطع ما فيه من شجر الشعراء (?) وشوكها؛ لأنه يبتغي الصلاح والتأسيس للسُكنى في موضع العمارة، فهذا يبين وجه النهي أنه موقوف على المفسد لبهجة المدينة ونضرتها وخضرتها لعين المهاجر إليها حتى تبتهج نفسه ويرتاح بمبانيها، وإن كان ابتهاجه بمسجده الذي هو بيت الله -عز وجل-، ومنزل ملائكته، ومحل وحيه أعظم، والسرور به أشد.