احتج من لم يره واجبًا بقراءة من قرأ: (فلا جُنَاحَ عليه أن لا يَطَّوَّفَ بهما) (?) فعلى هذا لا جناح عليه في تركه، كما قالته عائشة.
واحتج بعضهم بقراءة الجماعة وقالوا: الآية تقتضي أن يكون السعي مباحًا لا واجبًا؛ كقوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101] والقصر مباح لا واجب، وبقول عائشة في هذا الحديث: (وقد سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطواف بينهما).
والجواب: أن عائشة قد رَدَّتْ عَلَى عروة تأويل المخالف في الآية وقالت: (بئس ما قلت يا ابن أختي، إن الآية لو كانت كما أولتها لكان: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، وإنما نزلت في الأنصار الذين كانوا يتحرجون في الجاهلية أن يطوفوا بينهما، وفي الذين كانوا يطوفون في الجاهلية، ثم تحرجوا أن يطوفوا في الإسلام)، وهذا يبطل تأويلهم؛ لأن عائشة علمتْ سبب الآية، وضبطته، وتفسير الراوي مقدم عَلَى غيره، والمراد بقولها: أنه - صلى الله عليه وسلم - سنَّه، أي: جعله طريقة، لا كما تحرجوا منه، وقد صح من مذهبها أنه فرض، كما قاله ابن بطال (?)، وإن حكى الخطابي عنها: أنه تطوع (?)، وأما القراءة الأولى فشاذة، وقد يجوز أن ترجع إلى معنى المشهورة؛ لأن العرب تصل بلا وتزيدها كقوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)} [القيامة: 1 - 2]، وكقوله: {