وأخذ المهلب من حديث الباب ما نحا إليه مالك فقال فيه: إن الاستطاعة لا تكون الزاد والراحلة، ألا ترى أن ما اعتذرت به هذِه المرأة عن أبيها ليس بهما، وإنما كان ضعف جسمه، فثبت أن الاستطاعة شائعة كيفما وقعت وتمكنت، وقال غيره: إنها في لسان العرب: القدرة، فإن جعلناها عمومًا في كل قادر جاز سواء قدر ببدنه أو به وبماله أو بماله إلا أن تقوم دلالة، وإن قلنا: إن حقيقتها أن تكون صفة قائمة في المستطيع كالقدرة والكلام والقيام والقعود فينبغي أن تكون الاستطاعة صفة فيه تخصه، وهذا لا يكون إلا لمن هو مستطيع ببدنه دون ماله، وقد سلم المخالف أن المريض ليس بمستطيع وإن وجدهما، وأهل الحرم والمواقيت فما دونهم لا يعتبر فيهم زاد ولا راحلة (?).
فاحتج الشافعي ومن وافقه أنه - عليه السلام - لما سئل عن السبيل في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] قال: "الزاد والراحلة" أخرجه الحاكم -أبو عبد الله- في "مستدركه" من حديث أنس، قال: صحيح على شرط الشيخين، ثم ذكر له متابعًا على شرط مسلم (?)، وضعفه البيهقي بلا دليل (?).
وحكى القاضي حسين وجهًا أنه لا يشترط وجود الزاد في حق من هو على دون مسافة القصر؛ لأنه كالحاضر. وحكى ابن كج عن أبي علي الطبري أنه إذا كان في الحرم يلزمه الحج إذا كان صحيحًا ولم يكن له مال ولا كسب قال: وهذا فاسد إذ لا يكلف المسألة في الطريق.