وقال محمد بن نصر المروزي، وهذا المذهب شبيه بما حكاه أبو عبيد، عن ابن المبارك قَالَ: وقد كان أحمد يذهب إلى هذا القول ثم تركه، ومذهب مالك نحو هذا.
وقال آخرون: معناه أن الله فطرهم على الإنكار والمعرفة وعلى الكفر والإيمان، فأخذ من ذرية آدم الميثاق حين خلقهم فقال: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} قالوا جميعًا: {بَلَى}. وأما أهل السعادة فقالوا جميعًا: بلى على معرفة له طوعًا من قلوبهم، وأما أهل الشقاوة فقالوا: بلى، كرهًا لا طوعًا. تصديق ذلك قوله تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: 83] وكذا قوله: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} [الأعراف: 29، 30].
قَالَ المروزي: وسمعت ابن راهويه يذهب إلى هذا، واستدل بقول أبي هريرة: اقرءوا إن شئتم: {فِطْرَتَ اللَّهِ} [الروم: 3] الآية. قَالَ إسحاق: لا تبديل لخلقته التي جبل عليها بني آدم كلهم من الكفر والإيمان والمعرفة والإنكار. واحتج أيضًا بقوله: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 172] الآية.
قَالَ إسحاق: أجمع أهل العلم أنها الأرواح قبل الأجساد. واحتج بحديث أبي بن كعب يرفعه في غلام الخضر فكان الظاهر ما قَالَ موسى: (أقتلت نفسًا زاكية) (?) [الكهف: 74]، فأعلم الله الخضر ما كان الغلام عليه من الفطرة التي فطره عليها وهي الكفر. وكان ابن عباس يقرأ. (وأما الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين) [الكهف: 80].