هذا من باب التواضع والخضوع والإشفاق والإجلال، فإنه مغفور له ذلك، ولنقتدي به في أصل الدعاء والخضوع وحسن التضرع والرغب والرهب، وفي هذا الدعاء المعين. وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللهم إني أستغفرك من عمدي وخطئي وجهلي وظلمي وكل ذلك عندي" (?) يقر على نفسه بالتقصير. ويقول: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي .. " إلى آخره (?).
وبهذا رفع الله رسله وأنبياءه أنهم مجتهدون في الأعمال؛ لمعرفتهم بعظمة من يعبدونه، وأمتهم أحرى بذلك.
والمغفرة: تغطية الذنب، وكل ما غطي فقد غفر، ومنه: المِغْفَر.
وقوله: ("ومَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ") أمر الأنبياء بالإشفاق والدعاء إلى الله والرغبة إليه أن يغفر ما يكون من غفلة تعتري البشر. وما قدَّم: ما مضى. وما أخَّر: ما يستقبل. وذلك مثل قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] حمله أهل التفسير -كما نقله عنهم ابن التين- على أن الغفران تناول من أفعاله الماضي والمستقبل.
وقوله: ("وَمَا أَعْلَنْتُ") أي: ما تحرك به لسان أو نطق به.
وقوله: ("أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ") أي: أنت الأول والآخر، قاله ابن التين.
وقال ابن بطال: يعني: أنه قدم في البعث إلى الناس على غيره - صلى الله عليه وسلم -