وتأول الفقهاء حديث أنس أيضًا أن إقامته بمكة لا استيطانًا لها لئلا تكون رجوعًا في الهجرة، وقد روي عن ابن عباس أيضًا أن من نوى إقامة عشر ليال أن يتم الصلاة. وهو قول له آخر خلاف تأويله للحديث، ولا أعلم أحدًا من أئمة الفتوى قَالَ بحديث ابن عباس، وجعل التسعة عشر يومًا حدًا للتقصير، فهو مذهب له انفرد به (?).

قلتُ: لكن الصحيح عنه تسعة عشر كما أسلفناه. ونقله الترمذي عن إسحاق (?) ثم ذكر رواية ابن عباس: سبع عشرة، ثم قَالَ: وإنما جاء هذا الحديث -والله أعلم- من الرواة.

قَالَ: ولم يقل: سبع عشرة أحد من الفقهاء أيضًا إلا الشافعي فإنه قَالَ: من أقام بدار الحرب خاصة سبع عشرة ليلة قصر (?). قلتُ: مروي عن الليث، والمفتى به من مذهب الشافعي ثمانية عشر كما أسلفناه.

قَالَ: وتأول الفقهاء حديث أنس أن إقامته بها عشرًا كانت بنية الرحيل، وكانت العوائق تمنعه من ذلك، فما كان على نية الرحيل، فإنه يقصر فيه وإن أقام مدة طويلة بإجماع العلماء. وقد سلف لك ما في هذا الإجماع.

وفي حديث ابن عباس من الفقه ما ذهب إليه مالك، وأبو حنيفة، وأحد قولي الشافعي أن من كان بأرض العدو من المسلمين، ونوى إقامة مدة يتم المسافر في مثلها الصلاة أنه يقصر الصلاة؛ لأنه لا يدري متى يرحل (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015