وفيه من الفوائد:
إجازة استشفاع المشركين بالمسلمين، والإجابة إذا رجي رجوعهم إلى الحق، وقد ترجم عليه البخاري بذلك كما ستعلمه قريبًا. وكانت هذه القصة والشعبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة قبل الهجرة كما سلف آنفًا.
وفيه: أن الإمام إذا طمع بدار من دور الحرب أن يسلم أهلها أن يرفق بهم ويأخذ عفوهم، ويدعو لهم بالصلاح، ويكف عن ثمارهم وزرعهم، وإن أيس من إنابتهم فلا يدعو لهم بل عليهم، ولا بأس حينئذٍ بقطع ثمارهم وزرعهم.
وقال المهلب: الدعاء على المشركين يختلف معناه، فإذا كانوا منتهكين لحرم الدين وحرم أهله، فالدعاء عليهم واجب وعلى كل من سار بسيرهم من أهل المعاصي في الانتهاك، فإن لم ينتهكوا حرم الدين وأهله، وجب أن يُدعى لهم بالتوبة، كما قَالَ - صلى الله عليه وسلم - حين سُئل أن يدعو على دوس: "اللهم اهد دوسًا وأتِ بهم" (?) وقيل: إنما يجب الدعاء على أهل المعاصي في حين انتهاكهم وأما عند إدبارهم وتركهم، فيجب أن يُدعى لهم بالتوبة. ورُوي أن الصديق وزوجته كانا يدعوان على ابنهما عبد الرحمن بالهلاك يوم بدر إذا حمل على المسلمين، وإذا أدبر يدعوان له بالتوبة.
وفيه أيضًا: إقرار الكفار بفضل نبينا، وقربه من ربه، والتشفع به، وأن ذلك عادة من الله علموها، ولولاها ما لجأوا إليه في كشف الضر عند إشرافهم على الهلاك، وذلك أدل دليل على معرفتهم بصدقه، ولكن الحسد والأنفة الجاهلية حملتهم على معاندته ومعاداته