للشيء: كن (فيكون) (?) وبين خلقه؛ قطعًا للمعتزلة القائلين بأن الأمر هو الخلق، وأنه إذا قال للشيء: كن. معناه: أنه كَوّنه، نفيا منهم للكلام عن الله تعالى خلافًا لقوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]، وقد سلف بيان الرد عليهم في باب المشيئة والإرادة، ثم زاد في بيان الأمر، فقال تعالى: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ} [الأعراف: 54] فجعل الأمر غير خلقه لها، وغير تسخيرها الذي هو عن أمره، ثم ذكر قول ابن عيينة أنه فصل بين الخلق والأمر، وجعلهما شيئين
بإدخاله حرف العطف بينهما، والأمر منه تعالى قول وقوله صفة من صفاته غير مخلوق.
ثم بين ذلك أن قول الإنسان بالإيمان وغيره قد سماه الشارع عملًا حين سئل: أي الأعمال أفضل؟ فقال: "إيمان بالله". والإيمان: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح، وكذلك أَمْره وفد عبد القيس لما سألوه أن يدلهم على ما إنْ عملوه دخلوا الجنة، فأمرهم بالإيمان بالقلب والشهادة باللسان وسائر أعمال الجوارح، فثبت أن كلام ابن آدم بالإيمان وغيره عمل من أعماله وفعل له، وأن كلام الله -سبحانه وتعالى- المنزل بكلمة الإيمان غير مخلوق، ثم بين لك أن أعمالنا كلها مخلوقة له تعالى خلافًا للقدرية الذين يزعمون أنها غير مخلوقة لله تعالى بقوله في حديث أبي موسى - رضي الله عنه -: ("لست أنا حملتكم") على الإبل، بعد أن حلف لهم أن ما عندي ما أحملكم عليه، وإنما الله الذي حملكم عليها ويسرها لكم، فأثبت ذلك كله فعلًا لله تعالى، وهذا بين لا إشكال فيه.