الناس من يريد التزيين له فيفضي به ذلك إلى التهجين (?).
وهذا معنى قوله - عليه السلام -: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن". إنما هو أن يلهج بتلاوته كما يلهج الناس بالغناء والطرب عليه، وكذلك فسره أبو سعيد بن الأعرابي سأله عنه إبراهيم بن فراس، فقال: كانت العرب تتغنى بالركباني -وهو النشيد بالتمطيط والمد- إذا ركبت الإبل وإذا جلست في الأفنية وعلى أكثر أحوالها، فلما نزل القرآن أحب - عليه السلام - أن يكون القرآن هجيرهم مكان التغني بالركباني (?).
قال ابن بطال: والقول الأول الذي عليه الفقهاء، وعليه تدل الآثار، وما اعتل به الخطابي أن كلام الله لا يجوز أن يزينه صوت مخلوق، فقد نقضه بقوله: وليس التزيين في وسع. إلى آخره، فقد نفى عنه التزيين وأثبت له التهجين.
وهذا خلف من القول، ولو كان من باب المقلوب كما زعمه هذا القائل لدخل في الخطاب من كان قبيح الصوت وحسنه، ولم يكن للصوت الحسن فضل على غيره، ولا عرف للحديث معنى، ولما ثبت أنه - عليه السلام - قال لأبي موسى الأشعري حين سمع قراءته وحسن صوته: "لقد أوتي مزمارًا من مزامير آل داود" (?).
وثبت أن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - كان حسن الصوت بالقرآن، فقال له عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: اقرأ سورة كذا، فقرأها عليه، فبكى عمر - رضي الله عنه - وقال: ما (كنت) (?) أظن أنها نزلت.