قال قتادة: كان أهل الجاهلية فيهم بغي وطاعة للشيطان، فكان الحي إذا كان فيهم عزة ومنعة، فقتل لهم عبد، قتله عبد قوم آخرين، قالوا: لا نقتل به إلا حرًّا، وإذا كان فيهم امرأة قتلتها امرأة؛ قالوا: لا نقتل بها إلا رجلاً. فنهاهم الله عن البغي، وأخبر أن الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى (?).
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة ولكن الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة، فأنزل الله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] فجعل تعالى الأحرار في القصاص سواء في النفس وما دونها، وجعل العبيد متساوين فيما بينهم من العمد في النفس وفيما دونها، رجالهم ونساؤهم (?).
قال أبو عبيد: فذهب ابن عباس -فيما يُرى- إلى أن هذِه الآية التي في المائدة: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} ليست بناسخة للتي في البقرة: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} ولا هي خلافها، ولكنهما جميعًا محكمتان، إلا أنه رأى أن آية المائدة مفسرة للتي في البقرة، وتأول قوله: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} إنما هو على أن نفس الأحرار متساوية فيما بينهم دون العبيد ذكورًا كانوا أو إناثًا، وأن أنفس المماليك متساوية فيما بينهم، وأنه لا قصاص للماليك على الأحرار.