قلت: المقداد لم يقطع يده، وإنما قال ذلك للشارع على جهة التمثيل؛ لأنه قال: (إن لقيت كافرًا) إلى آخره.
ويحتمل قوله: "فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله"، أنه مغفور له بشهادة التوحيد كما أنت مغفورًا لك بشاهدة بدر، وقوله: "فإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته"، يعني: إنك قاصد لقتله عمدًا آثم كما كان هو أيضًا قاصدًا لقتلك عمدًا آثمًا، فأنت في مثل حاله من العصيان إلا أن واحداً منهما يكفر بقتل المسلم؛ لأن إتيان الكبائر لمن صح له عقد التوحيد لا يخرجه إلى الكفر، وإنما هي ذنوب موبقات، لله تعالى أن يغفرها لكل من لا يشرك به شيئًا.
وقال ابن القصار: معنى قوله "وأنت بمنزلته قبل أن يقولها" في إباحة الدم، لا أنه كافر بذلك، وإنما قصد ردعه وزجره عن قتله؛ لأن الكافر إذا أسلم فقتله حرام.
وقال الداودي: يعني: إنك (صوت قاتلا كما كان هو قاتلًا) (?)، قال: وهذا من المعاريض؛ لأنه أراد الإغلاظ في ظاهر اللفظ خلاف باطنه.
فصل:
قوله: (ثم لاذ بشجرة) أي لجأ إليها وعاذ بها؛ لقوله للمقداد: "فإنك بمنزلته قبل أن يقولها" ومعناه: أنه يجوز أن يكون اللائذ بالشجرة القاطع لليد مؤمنًا يكتم إيمانه مع قوم كفار غلبوه على نفسه، وإن قتلته فأنت شاك في قتلك إياه أي منزله من العمد والخطأ كما (كان) (?)