فصل:
وقوله: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24] يقتضي النص منه تعالى على خلقه الكفر والإيمان، بأن يحول بين قلب الكافر والإيمان الذي أمره به، فلا يكتسبه إذ لم يقدر عليه، بل أقدره على ضده، وهو الكفر، ويحول بين المؤمن وبين الكفر الذي نهاه عنه، بأن لم يقدره عليه، بل أقدره على الإيمان الذي هو به متلبس، وإذا خلق لنا جميع القدرة على ما هما مكتسبان له، مختاران لاكتسابه، فلا شك أنه خالق لكفرهما وإيمانهما؛ لأن خلقه لكفر أحدهما، وإيمان أحدهما من جنس خلق قدرتهما عليه، ومحال كونه قادرًا على شيء غير قادر على خلافه أو مثله أو ضده، فبان أنه خالق بهذا النص لجميع كسب العباد خيرها، وشرها، وهذا المعنى قوله: "لا، ومقلب القلوب"؛ لأن معنى ذَلِكَ تقليبه قلب عبده عن إيثار الإيمان، إلى إيثار الكفر وعكسه، وكان فعل الله تعالى ذَلِكَ عدلاً فيمن أضله وخذله؛ لأنه لم يمنعهم حقًّا وجب عليه، فتزول صفة العدل، وإنما منعهم ما كان له أن يتفضل به عليهم، لا ما وجب لهم، (وأضلهم) (?) لأنهم ملك من ملكه، خلقهم على إرادته لا على إرادتهم، فكان ما خلق فيهم من قوة الهداية والتوفيق على وجه التفضل. وقد بين هذا المعنى إياس بن معاوية، ذكر الآجرى من حديث حبيب بن الشهيد، قال: جاءوا برجل يتكلم في القدر إلى إياس بن معاوية، فقال له إياس: ما تقول؟ قال: أقول: إن الله أمر العباد ونهاهم، وإن الله لا يظلمهم شيئًا. فقال له إياس: أخبرني عن الظلم، تعرفه