ولم يكن - عليه السلام - يذم حالة فيها الفضل.

قال ابن بطال: وأحسن ما رأيت في هذِه المسألة ما قاله أحمد بن نصر الداودي قال: الفقر والغنى محنتان من الله، وبليتان يبلو بهما خيار عباده؛ ليبدي صبر الصابرين وطغيان البطرين، وإنما أشكل ذلك على غير الراسخين، فوضع قوم الكتب في تفضيل الغنى على الفقر، وعكس آخرون وأغفلوا الوجه الذي يجب الحض عليه والندب إليه.

وأرجو لمن صحت نيته، وخلصت له طويته، وكانت لوجهه مقالته أن (يجازيه) (?) الله على نيته ويعلمه، قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] وقال: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا على الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ} الآية [الإسراء: 83]. وقال: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)} الآية [المعارج: 19] وقال: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ} إلى قوله: {أَهَانَنِ} (?) [الفجر 15 - 16] وقال: {وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 27] وقال: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا} الآية [الزخرف: 33] وقال: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)} [العلق: 6 - 7] وقال: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)} [العاديات: 8] يعني: لحب المال. وقال رسول الله - عليه السلام -: "ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخاف أن تفتح الدنيا عليكم .. " الحديث (?). وكان - عليه السلام - يستعيذ من فتنة الفقر وفتنة الغنى، فدل هذا كله على أن ما فوق الكفاف محنة لا يسلم منها إلا من عصم، وقد قال - عليه السلام -: "ما قل وكفى خير مما كثر وألهى" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015