لا يكون فارغًا حتى يكون مكفيًا مؤنة العيش في الدنيا، فمن أنعم الله عليه فليحذر أن يغبنهما، ومما يستعان به على دفع الغبن: أن يعلم العبد أن الله خلق الخلق من غير ضرورة إليهم، وبدأهم بالنعمة الجليلة من غير استحقاق منهم لها، فمن عليهم بصحة الأجسام، وسلامة العقول، وتضمن أرزاقهم وضاعف لهم الحسنات، ولم يضاعف عليهم السيئات، وأمرهم أن يعبدوه ويعتبروا بما ابتدأهم به من النعم الظاهرة والباطنة، ويشكروه عليها بأحرف يسيرة، وجعل مدة طاعتهم في الدنيا منقضية بانقضاء أعمارهم، وجعل جزاءهم على ذلك خلودًا دائمًا في جنة لا انقضاء لها، مع ما ذخر لمن أطاعه مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فمن أنعم النظر في هذا كان حريا أن لا يذهب عنه وقت من صحته وفراغه، إلا وينفقه في طاعة الله تعالى ويشكره على عظيم مواهبه، والاعتراف بالتقصير عن بلوغ تأدية (كنه) (?) ذلك، فمن لم يكن هكذا وغفل وسها عن التزام ما ذكرنا، ومرت أيامه عنه في سهو ولهو، وعجز عن القيام بما لزمه لربه تعالى، فقد غبن أيامه، وسوف يندم حيث لا ينفعه الندم.
وفي الترمذي من حديث ابن المبارك، عن يحيى بن عبيد الله بن موهب، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا: "ما أحد يموت إلا ندم" قالوا: وما ندامته يا رسول الله؟ قال: "إن كان محسنًا ندم أن لا يكون ازداد، وإن كان مسيئًا ندم أن لا يكون نزع" (?).