فوات الكمال ذنبًا. وقيل: أراد ما كان عن سهو. وقيل: ما كان قبل النبوة. وعلى كل حال فهو مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فدعا بهذا وغيره؛ تواضعًا؛ لأن الدعاء عبادة. قال أهل اللغة: الإسراف مجاوزة الحد (?).

قلت: وأظهر مما ذكره أنه قاله تعليمًا لأمته.

وقال الطبري: إن قلت: ما وجه دعائه - صلى الله عليه وسلم - ربه أن يغفر له خطيئته وجهله وما تقدم من ذنبه، وقد أعلمه الله أنه قد غفر له ذلك كله؟ فما وجه سؤاله ربه مغفرة ذنوبه، وهي مغفورة، وهل يجوز -إن كان كذلك- أن يسأل العبد ربه أن يجعله من بني آدم وهو منهم؟ وأن يجعل له يدين ورجلين وقد جعلهما له، فالجواب أنه - عليه السلام - كان يسأل ربه في صلاته حين اقترب أجله وبعد أن نزل عليه {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (1)} [النصر: 1] ناعيًا إليه نفسه، فقال له: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} [النصر: 3] وكان - عليه السلام - (يقول) (?): "إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة" (?) فكان هذا من فعله في آخر عمره، وبعد فتح مكة، وقد قال تعالى (له) (?): {لِّيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] باستغفارك منه فلم يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يغفر له ذنبًا قد غفر له، وإنما غفر له ذنبًا قد وعده بمغفرته له باستغفاره، وكذلك قال: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015