وفي هذا الحديث دلالة أن محبة الأم والشفقة بها ينبغي أن تكون ثلاثة أمثال محبة الأب؛ لأنه - عليه السلام - كررها ثلاثا وذكر الأب في الرابعة فقط، وإذا تأمل هذا المعنى شهد له العيان، وذلك أن صعوبة الحمل والوضع والرضاع والتربية تنفرد بها الأم وتشقى بها دون الأب، فهذِه ثلاث منازل يخلو منها الأب، وقد جرى لأبي الأسود الدؤلي مع زوجته قصة أبان فيها هذا المعنى، ذكر أبو حاتم عن أبي عبيدة أن أبا الأسود جرى بينه وبين امرأته كلام وأراد أخذ ولده منها، فسار إلى زياد وهو والي البصرة، فقالت المرأة له: أصلح الله الأمير، كان بطني (وعاءه) (?)، وحجري فناءه، وثديي سقاءه، أكلؤه إذا نام، وأحفظه إذا قام، فلم أزل بذلك سبعة أعوام، حتى إذا استوفى فصاله، وكملت خصاله، وأملت نفعه، ورجوت دفعه، أراد أن يأخذه منى كرها! قال أبو الأسود: أصلحك الله، هذا ابني حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه، وأنا أقوم عليه في أدبه، وانظر في أوده. فقالت المرأة: صدق أصلحك الله، حمله خِفًّا وحملته ثقلا، ووضعه شهوة ووضعته كرها. فقال له زياد: اردد على المرأة ولدها، فهي أحق به منك، ودعني من سجعك.
وروى أبو داود في "سننه" والحاكم في "مستدركه" وقال: صحيح الإسناد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو أن المرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه منى. فقال لها - عليه السلام -: "أنت أحق به ما لم تنكحي" (?).