وأيضًا فإن الله تعالى لما علقها بقوم دل على أنها غير واجبة؛ لأن الواجبات ما لزمت الناس عمومًا كالصلاة والصيام والحج والزكاة، فلما قال تعالى {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] و {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241] سقط وجوبها عن غيرهم، وكذلك تأول شريح فقال لرجل: متع إن كنت محسنًا متع إن كنت متقيًا. وعنه هي واجبة في قوله {عَلَى الْمُتَّقِينَ}، وندب في {عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236]
قال أبو عمر: هذا التفسير احتج به أصحابه له، ويجاب عنه بأنه ليس في ترك تحديدها ما يسقط وجوبها، كنفقات البنين والزوجات.
قال تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ولم نجد شيئًا مقدرًا فيما أوجب من ذلك، وقال: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} الآية [الطلاق: 7]، كما قال في الآية الأخرى: {على الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236]. وقال - عليه السلام - لهند: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" (?). ولم يقدر.
قال ابن عبد البر: لم يختلف العلماء أن المتعة المذكورة في القرآن غير مقدرة ولا محدودة ولا معلوم مبلغها ولا يوجَب قدرها، بل هي كما قال تعالى: {على الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} وإنما اختلفوا في وجوبها:
فروى مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأة ومتعها بوليدة (?)، وكان ابن سيرين يُمَّتعُ بالخادم أو النفقة أو الكسوة، ومتع الحسن بن علي زوجته بعشرة آلاف فقالت: متاعٌ قليلٌ من حبيبٍ