المرء في الدنيا فيما له مندوحة عنها، فهو استعجال من نعيم الآخرة الذي لو لم يستعجله في الدنيا كان مدخورًا له في الآخرة؛ وذلك لقوله - عليه السلام -: "أولئك قوم عجلت لهيم طيباتهم في الدنيا". فأخبر أن ما أوتيه فارس والروم من نعيم الدنيا تعجيل من الله لهم نظير ما ادخر لأهل عبادته عنده، فكره - عليه السلام - لأمته أن تؤتى مثل ما أوتي فارس والروم علي سبيل التلذذ والتنعم.
فأما على صرفه في وجوهه وتفريقه في سبله التي أمر الله بوضعه فيها، فلاشك في فضل ذلك وشرف منزلته، إذ هو من باب منازل الامتحان والصبر على المحن، مع أن الشكر على النعم أفضل من الصبر على الضراء وحدها (?).
فصل:
معنى: (فَتَبَرَّزَ): خرج إلى البراز، وهو ما برز عن البيوت والدور وبعد.
ومعنى: (سكبت): صببت، يقال: سكبت أسكب سكبًا، وهو ماء مسكوب: إذا سال.
وقوله: (وَهُمْ مِنْ عَوَالِي المَدِينَةِ)، العوالي: جمع عالية، وهو ما ارتفع من نجد إلى تهامة. والسوافل: ما سفل من ذلك. ومعنى (تراجعني): ترادني، ومنه قوله تعالى: {على رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} [الطارق: 8]. قيل: عني به: رد الماء في الصلب، وقيل: عني به: رد الإنسان بعد الكبر إلى الصغر، وقيل: عني به رد الإنسان بعد مماته كهيئته قبل مماته. وقد أسلفنا هناك أن المراد بالجارة الضرة، وهو كلام العرب،