فلما حرم النظرة الثانية؛ لأنها تكون باختيار الناظر، وخالف بين حكمها وحكم ما قبلها إذا كانت بغير اختيار من الناظر، دل عَلَى أنه ليس لأحد أن ينظر إلى وجه امرأة إلا أن تكون زوجة له أو ذات محرم.
واحتج عليهم أهل المقالة الأولى أن الذي أباحه الشارع في الآثار الأول هو النظر للخطبة لا لغير ذَلِكَ، وذلك لسبب هو حلال، ألا ترى أن رجلًا لو نظر إلى وجه امرأة لا نكاح بينه وبينها للشهادة أن ذَلِكَ جائز، وكذلك إذا نظر إلى وجهها ليخطبها.
فأما المنهي عنه فالنظر إلى غير الخطبة ولغير ما هو حلال، ورأيناهم لا يختلفون في نظر الرجل إلى صدر الأمة إذا أراد أن يبتاعها جائز له، ولو نظر إليها لغير ذَلِكَ كان عليه حرام، فكذلك نظره إلى وجهها، إن كان فعل ذَلِكَ لمعنى هو حلال، فهو غير مكروه.
وإذا ثبت أن النظر إلى وجه المرأة لخطبتها حلال، خرج بذلك حكمه من حكم العورة، لأنا رأينا ما هو عورة، لا يباح لمن أراد نكاحها النظر إليه، ألا ترى أنه من أراد نكاح امرأة حرام عليه النظر