أما عَلَى رواية: "هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ: لَا" (?). فلا عتب عليه إذ أخبر عما يعلم، وأما عَلَى رواية: "أيّ الناسِ أَعْلم؟ فقال: أنا" (?) فهو راجع إلى ما اقتضاه شهادة الحال، ودلالة النبوة، وكان منها بالمكان الأرفع والمرتبة العليا من العلم.

فالعتب إذًا إنما وقع لأجل الإطلاق وإن كان الأولى إطلاق: الله أعلم، وقد قالت الملائكة: {إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32] وقد قَالَ - صلى الله عليه وسلم - لما سُئِلَ عن الروح وغيره: "لا أدري حتَّى أسأل الله" (?)، وقد قَالَ تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]

وقيل: المراد بقوله: (أنا) أي: بوظائف النبوة، وأمور الشريعة، وسياسة الأمة، والخضر أعلم منه بأمور أخر من علوم غيبية كما ذكر من خبره، وكان موسى أعلم عَلَى الجملة والعموم مما لا يمكن جهل الأنبياء بشيء منه، والخضر أعلم عَلَى الخصوص بما أُعْلِمَ من الغيوب وحوادث القدر مما لا يعلم الأنبياء منه إلا ما أُعلموا من غيبه.

ولهذا قَالَ لَهُ الخضر: "إنك عَلَى علم من علم الله (علمكه الله) (?) لا أعلمه، وأنا عَلَى علم من علم الله علمنيه لا تعلمه". ألا تراه لم يعرف موسى بني إسرائيل حتَّى عرفه بنفسه إذ لم يعرفه الله به، وهذا مثل قول نبينا - صلى الله عليه وسلم -: "إني لا أعلم إلا ما علمني ربي" (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015