والبليد لا يصلح إلا بآيات الحس، والذين بعث إليهم نبينا - صلى الله عليه وسلم - كانوا أرباب ذكاء وفطنة، وكفاهم القرآن معجزة، غير أن القضاء قضى على قوم من أذكيائهم بالشقاء مع وجود الفهم، كما قال عمرو بن العاصي: تلك عقول كادها بارئها لكبرهم، تكبرهم عن ذلك الاتباع، وعادوا على أسلافهم من تخطيئهم في عبادة الأصنام، وحسدوا الشارع لما ميز عنهم {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [غافر: 56] على أنه لم يكن للأنبياء معجزة إلا ولنبينا عليه وعليهم أفضل الصلاة السلام من جنسها، فإن الرعب الذي أيد به كان يوقع في قلوب أعدائه (?) ما لم توقعه عصى موسى في قلوب أعدائه.
قلت: وكذا تسخير الريح لسليمان فإن عدوه كان على مسيرة شهر يخاف غدوه عليه أو رواحه، ورعب نبينا كان العدو يخافه من مسيرة شهر مع علمه أنه لا يغدو عليه في يومه ولا يروح، وقد روي: "شهر أمامي وشهر خلفي" (?) فهذِه زيادة، ونبع الماء من بين أصابعه (?)، أعظم من تفجره من حجر؛ إذ الأحجار من عاداتها تفجرها بالماء، ولم تخبر عادة بجريان الماء من بين لحم وعظم، وخطاب الذراع له أعظم من تكليم الموتى لعيسى.