وقوله: ("إن كان في الحراسة"، "وإن كان في الساقة") يعني: أنه خامل الذكر لا يقصد السمو فأي موضع اتفق له كان ممن لزم هذِه الطريقة، كان حريًّا إن استأذن ألا يؤذن له، وإن شفع ألا يشفع.
رابعها: قوله: في حديث عائشة: ("ليت رجلاً صالحًا من أصحابي يحرسني الليلة").
إن قُلتَ: كيف طلب الحراسة مع توكله ويقينه بالقدر؟
قلتُ: له ثلاثة أجوبة نبه عليها ابن الجوزي (?):
أحدها: أنه سن هذِه الأشياء لا لحاجته إليها، كما ظاهر بين درعين، ويدل على غنائه أنهم كانوا إذا اشتد العباس قدموه واتقوا به العدو.
ثانيها: الثقة بالله لا تنافي العمل على الأسباب، بدليل "اعقلها وتوكل" وهذا؛ لأن التوكل يخص القلب، والتعرض بالأسباب أفعال تخص البدن فلا تناقض.
ثالثها: وساوس النفس وحديثها لا يدفع إلا بمراعاة الأسباب، ومنه قول إبراهيم: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260] ومنه أن سليمان رئي يحمل طعامًا ويقول: إن النفس إذا أحرزت قوتها اطمأنت.
وأجاب ابن بطال بأن قَالَ: في الحديث دليل أن ذَلِكَ كان قبل أن تنزل آية العصمة، وقبل نزول: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95)} [الحجر: 95]؛ لأنه جاء في الحديث أنه لما نزلت هذِه الآية ترك الاحتراس بالليل (?)؛ ولأن في حديث عائشة في بعض الروايات أن ذَلِكَ كان عند أول قدومه المدينة.