وفيه قول ثالث: أنه تجوز شهادة أهل كل ملة بعضهم عن بعض، ولا تجوز على ملة غيرها، وهو قول ابن أبي ليلى والحكم وعطاء والليث وإسحاق (?)، وللعداوة التي بينهم، كما سلف في الآية، وقد قام الإجماع على منع شهادة العدو على عدوه، كما نقله ابن شعبان؛ لأنها تزيل العدالة، فكيف بعداوة كافر.
وحجة الكوفي حديث مالك عن نافع عن ابن عمر أن اليهود جاءوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجل منهم وامرأة زنيا، فأمر - صلى الله عليه وسلم - برجمهما، وجوابه: أنه رجمهما باعترافهما لا بالشهادة كيف وأنهم يقولون شرط الرجم الإسلام.
وروي عن شريح والنخعي: تجوز شهادتهم على المسلم في الوصية في السفر؛ للضرورة (?)، وبه قال الأوزاعي (?)، وقال ابن عباس في تأويل قوله: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} من غير المسلمين، وعورض بقول الحسن: من غير قومكم من أهل الملة (?).
ثم الآية منسوخة، وقد قال تعالى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وقال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2].
وحديث الباب حجة للمانع، وهو قوله: "ولا تصدقوا أهل الكتاب".
ومعنى: "لا تكذبوهم": يعني: فيما ادعوه من الكتاب ومن أخبارهم مما يمكن أن يكون صدقًا أو كذبًا؛ لإخبار الله عنهم أنهم بدلوا الكتاب {لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة: 79] ومن كذب على الله فهو أحرى