فدل أن الشهادة المذمومة هي المحلوف بها التي يجعلها الإنسان عادته، كما قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224] ولا خلاف بين العلماء أن من رأى رجلًا يقتل رجلًا أو يغصبه مالًا أنه يجوز أن يشهد به وإن لم يشهده الجاني بذلك على نفسه (?).
فإن قلت فقوله: ("تسبق شهادة أحدهم .. ") إلى آخره، يدل أن الشهادة والحلف عليها يبطلها؛ لأنه تهمة. قيل: لا خلاف بين العلماء أنه تجوز الشهادة والحلف عليها، وهو في كتاب الله في ثلاثة مواضع: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53]، وقال: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7] {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: 3] إلا ما ذكره ابن شعبان في "زاهيه" قال: إذا شهد وحلف تسقط شهادته، ومن قال: أشهد بالله لفلان على كذا لم تقبل شهادته؛ لأنه حالف وليس بشاهد، والمعروف عن مالك غيره (?)، وقال ابن التين: (قول إبراهيم: كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد).
يريد بذلك باليمين مع شهادته، وذلك على وجه الأدب. وعن ابن شعبان: إذا شهد وحلف تسقط شهادته؛ لأنه متهم إذا حلف.
وقد تقدم، وزاد في باب: فضل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن إبراهيم.
ونحن صغار (?) أي: لم نبلغ حد النفقة، وإن كانوا بلغوا. وقيل: معناه إذا حلفنا بالعهد والشهادة لما لهما من تعظيم الحنث من الحلف بهما في القرآن في قوله: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ}.