وخالفهم في ذلك آخرون وقالوا: بل هو محمود مأجور على ذلك.

واحتجوا بأنه إنما ذكر ذلك في تغير الزمن فقال: "يفشو الكذب؛ حتى يشهد الرجل على الشهادة ولا يسألها، وحتى يحلف على اليمين، لا يستحلف" (?).

فمعنى ذلك أن يشهد كاذبًا لقوله: ثم يفشو الكذب.

وإلا فلا معنى لذكره ذلك، وأيضًا فإن هذِه الشهادة المذمومة لم يرد بها الشهادة على الحقوق، وإنما أريد بها الشهادة في الأيمان، يدل على ذلك قول النخعي في آخر الحديث وهو الذي رواه، قال: (وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد).

فدل هذا من قول إبراهيم أن الشهادة المذمومة هي قول الرجل: أشهد بالله ما كان كذا، على معنى الحلف، فكره ذلك كما كره الحلف؛ لأنه يكره للرجل الإكثار منه وإن كان صادقًا فنهى عن الشهادة التي هي حلف بها، كما نهى عن اليمين إلا أن يستحلف فيكون حينئذٍ معذورًا (?).

واليمين قد يسمى شهادة قال تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللهِ} أي: أربع أيمان.

وحديث زيد فيه تفضيل الشاهد المبتدئ بها، وفسره مالك بعد أن رواه فقال: الرجل يكون عنده الشهادة في الحق لمن لا يعلمها فيخبر بشهادته ويرفعها إلى السلطان (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015